أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

جوناثان هيلي وأسئلة “التحجير”

آراء

“جوناثان هيلي” هو مذيع إيرلندي شهير يطل بصوته عبر الأثير كل ظهيرة في إذاعة “نيوز توك” في فقرة تسمى “لانش تايم” وذلك نسبة إلى موعد بثها الذي يتوافق مع استراحة الغداء للكثير من الموظفين هنا في ايرلندا. يستضيف جوناثان كل يوم مسؤولا ايرلنديا رفيعا لمناقشة قضية من قضايا الساعة: فرض رسوم على المياه، المشردون في الشوارع ، ارتفاع أسعار العقار إلى غير ذلك من القضايا التي تشغل المواطن الإيرلندي البسيط وتتعلق بحياته اليومية. دأبت منذ قدومي إلى دبلن على متابعة فقرة جوناثان. وأكثر ما يجذبني في أسلوبه هو ما نسميه عندنا بالعامية”أسئلة التحجير” التي لا تقبل سوى الإجابة بنعم أو لا . مما يضع المسؤول غالبا في حرجٍ كبير ، خصوصاً حين يحاول بعض المسؤولين الهروب بإجابتهم إلى منطقة رمادية. ويحصل كثيراً أن ينهي جوناثان فقرته بأن يعلق مخطاباً جمهوره بأن أسئلته بسيطة جداً ولا تخرج عن “نعم” أو “لا” لكن بعض الضيوف يصعبونها على أنفسهم كثيراً !

ليس في إيرلندا وحدها بل في كل مكان في العالم يحاول المسؤول غالباً تحاشي التحدث مع الإعلام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً خصوصاً حين يتعلق الأمر بتقصير المؤسسة أو الجهة التي يمثلها، لا سيما إذا كانت تلك المؤسسة على تماس مباشر مع حياة الناس ومقصرة في أدائها نحو متطلباتهم . جوناثان هيلي ورفاقه من المحاورين الجيدين لا يبحثون عن إحراج المسؤول حتماً وليس ذلك هدفهم . بل يبحثون من خلال أسئلتهم المطروحة عن إجابات تشفي غليل الجمهور وتروي عطشهم للمعلومة . لكن تلك الأسئلة تُجابه غالباً بإجابات معلبة و جاهزة من نوع “سيتم تنفيذ المشروع في أقرب وقت ممكن” أو ربما كان المسؤول أكثر رمادية وهو يجيب “سنحتاج إلى مزيد من الوقت لإجراء بعض الدراسات خلال الفترة المقبلة قبل أن نتخذ القرار النهائي ” أو ربما أجاب بـ ” سيتم تشكيل لجان تحال إليها تلك المواضيع قبل اتخاذ القرار المناسب” ! وهكذا فإن مشكلتنا نحن المتلقين هي مع  “أقرب وقت ممكن” و ” مزيد من الوقت” و ” الفترة المقبلة” لأنها تراكيب لغوية مرنة تشير إلى أزمنة مطاطية ! وتلك التراكيب ستجدها في الإنجليزية والعربية وفي كل لغات العالم ويجيد كثير من المسؤولين توظيفها لصالحهم حين يهربون من الإجابة على أسئلة لا تحتمل سوى الأبيض أو الأسود .

إنني هنا لا أنصح المسؤولين بأن يلتزموا في إجاباتهم فذلك أمرٌ ليس من شأن “كويتيب” مثلي ، بل نصيحتي هي للمتخصصين والباحثين والمتبحرين في مجالات اللغة والإعلام  بأن يخضعوا خطابات المسؤولين وإجاباتهم  لمجهر البحث والنقد ، فلربما وجدوا  لنا تفسيرات علمية حول فصاحة بعض المسؤولين اللغوية حين يراوغون ببراعة جوناثان هيلي ورفاقه !

خاص لـ “الهتلان بوست”