مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

حداثة ما قبل الحداثيين في جلجامش

آراء

تكثر النصوص الأدبية النثرية وكذلك الموزونة في الكتابات الرافدية القديمة بحضاراتها المتعاقبة، ومنها ما يماثل الشعر العربي في تفعيلاته. وقد كتبت في ذلك دراسات كثيرة مثل ما أورده الراحل طه باقر في قراءته لملحمة جلجامش من أن الشعر في أدب الرافدين القديم، السومري والبابلي، خضع لطريقة خاصة في الكتابة وكان يتألف من أبيات، كل منها يتكون من شطرين موزونين، ولكن القافية غير موجودة، أي إنه يشبه شعر التفعيلة. وهنا تجدر الإشارة إلى ما رآه الشاعر العراقي صلاح نيازي في قراءة مختلفة لنصوص ذكرها باقر ومنها خطاب سيدوري إلى جلجامش:

“سابينُم أنّا شاشمْ أزْكرّا أنا جلجامش
جلجامش ايشْ تَدال
بلْطمْ شا تَسخوّرا لا تُنَّا
حِنُما ايلاني ابْنو أويليتمْ
ماتَمْ أشْكونو أنا أويليتمْ
بلْطمْ أنا قاتيشوتو اصبطو
انّا جلجامش لو ملئي كرَشْكا
اورى وموشي خِدّادو أنّا”.
والترجمة العربية لها:
“يا جلجامش إلى أين أنت سائر
لن تجد قطّ الحياة التي تنشد
فالآلهة حينما خلقوا البشر
كتبوا عليهم الموت
واحتفظوا بالخلود لهم
يا جلجامش دعْ معدتك تكون ممتلئة
وانشرحْ ليل نهار”.

وفي تقطيع النص بلغته الأصلية يتضح أن التفعيلات جاءت على وزن فعْلُنْ، وعددها يختلف بين شطر وآخر، إذ يحتوي الشطر الأول على سبع تفعيلات، ومقطع زائد، بينما يحتوي الشطر الثاني على أربع تفعيلات، وتتكرر زيادة مقطع في الأشطر الثالث والرابع والخامس والسابع، بمعنى أن فكرة الشطرين غابت، لتبدو ملحمة جلجامش كأنها كتبت على البحر المتدارك بطريقة شعر التفعيلة.

جاء الحديث السابق عن الشعر بتلك اللغات القديمة لتقاربها الكبير مع العربية، ويؤكد ذلك التقارب اللغوي بين البيت السابع بالسومرية ومعناه بالعربية (انّا جلجامش لو ملئي كرَشْكا = يا جلجامش دعْ معدتك تكون ممتلئة) مع الانتباه إلى أن أكثر من 2500 عام تفصل بين زمني اللغتين. وهذا يشير إلى أن حضارات المنطقة كانت تستفيد من سابقاتها حتى وصلت اللغة إلى شكلها النهائي الذي نعرفه. فهل يمكن القول إن الشعر العمودي كان تطورا عن الأشكال السابقة من نثر وتفعيلة ترافق مع نضج في اللغة، ومن ثم تطورت الحالة إلى اكتشاف بحور الشعر، واستمرت لتظهر الأشكال اللاحقة؟ ما يلغي أسبقية المُحْدَثين في ابتكار نماذج جديدة في الشعر العربي، والمسألة لا تتجاوز كونها تطورا بين لغات متقاربة في منطقة واحدة.

المصدر: الوطن اون لاين