علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

حدث في مثل هذه الأيام

آراء

«موجة الاحتجاجات التونسية مستمرة». بدا لي من عنوان الخبر أن تاريخه قديم، يعود إلى النصف الثاني من شهر ديسمبر 2010، أو النصف الأول من شهر يناير 2011، لكن التاريخ المدون في الصفحة التي كنت أقرأ منها الخبر على موقع «البيان» الإلكتروني يقول إنه 16 يناير 2017! عادت بي الذاكرة ست سنوات إلى الوراء، عندما كنا نتابع أحداثاً كانت تقع في تونس في مثل هذا التاريخ، حسبناها في البداية عادية، لكنها أخذت بعد حين بعداً دراماتيكياً أشبه بما يحدث في أفلام الخيال منها إلى الواقع.

بدأت الأحداث يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 بإقدام بائع خضار شاب على إحراق نفسه أمام مقر المجلس المحلي في مدينة «سيدي بوزيد» احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية للعربة التي كان يبيع عليها الخضار والفاكهة، ورفضها قبول شكوى أراد تقديمها بحق الشرطية التي قال إنها صفعته وصادرت عربته، وانتهت بتنحي الرئيس زين العابدين بن علي عن السلطة والهروب من البلاد خلسة يوم الجمعة 14 يناير 2011، بعد تحول المظاهرات التي اندلعت بعد إحراق محمد البوعزيزي لنفسه إلى انتفاضة شعبية، شملت مدناً عدة في تونس، وأدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، خاصة بعد وفاة البوعزيزي يوم 14 يناير نتيجة الحروق.

كيف تطورت تلك الأحداث على هذا النحو، وكيف سقط بن علي، الذي حكم تونس بقبضة حديدية أكثر من 23 عاما، في أقل من شهر، وهو القادم من خلفية أمنية عسكرية، والعسكر لا يتنازلون عن الحكم عادة بسهولة؟! هذا هو السؤال الذي سيبقى مطروحاً، وستبقى إجابته لغزاً محيراً. فالثورة التونسية التي أطلق البعض عليها «ثورة الياسمين» جرّت وراءها أحداثاً وثورات بدأت بمصر في 25 يناير، سقط فيها النظام بعد 18 يوما، على أثر موجة من المظاهرات والاعتصامات، فتنحى حسني مبارك عن الحكم، بعد 30 عاماً من التربع على كرسي السلطة! ثم انتقلت الأحداث إلى ليبيا في 17 فبراير، ليسقط العقيد معمر القذافي، الذي حكم ليبيا أكثر من 42 عاما، في يد الثوار، وتتم تصفيته قبل أن يصل إلى يد المجلس الانتقالي.

وبالتزامن مع ما كان يحدث في ليبيا كان اليمنيون ينتفضون على حكم علي عبدالله صالح، الذي كان قد أمضى في الحكم 33 عاما، وكان صالح يحاول تقديم تنازلات لهم، مثلما فعل بن علي ومبارك قبله، لكن سقف مطالب اليمنيين كان أعلى من التنازلات التي كان يقدمها فرفضوها، حتى جاءت المبادرة الخليجية، بعد سنة كاملة من الاحتجاجات، لتضع حلاً وسطاً بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك.

لكن الوضع الأصعب كان في سوريا، التي انطلقت الأحداث فيها يوم الثلاثاء 15 مارس 2011 لتستمر حتى اليوم، مخلفة مآسي وأحزاناً وآثاراً هي الأسوأ والأكثر تأثيراً في المنطقة كلها.

«تستمر موجة الاحتجاجات في عدد من مناطق تونس للمطالبة بالتنمية والوظائف، في ظل تأهب أمني لافت، تحسباً لأي محاولات تسلل من قبل إرهابيين إلى جموع المتظاهرين». هذه هي مقدمة الخبر المنشور على موقع «البيان» الإلكتروني، الذي أثار هذه الشجون.

هل تشعرون بفرق عما كان يحدث قبل ست سنوات؟ ربما كان الفرق في تكملة الخبر التي تقول: «فيما أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن بلاده لا تسعى لاستعادة مواطنيها الإرهابيين من مناطق الصراع، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، نافياً وجود أي قانون توبة». أما بقية الخبر فتقول: «ورشق محتجون التجمع أمام مركز الحرس الوطني بمدينة بيعون من ولاية سيدي بوزيد بأحجار فجر أمس، محاولين اقتحام المركز، ما استوجب استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريقهم»! كأن ست سنوات مما أُطلِق عليه «ثورة الياسمين» لم تمض، وكأننا عدنا إلى المربع الأول، قبل أن ينفذ زين العابدين بن علي بجلده. هل استوعبتم المشهد، أم أنكم حائرون مندهشون مستغربون مثلي؟.

بعد ست سنوات من «ثورة الياسمين» ما زالت الاحتجاجات في تونس مستمرة، تطالب بالتنمية والوظائف، وزاد عليها أن هناك إرهابيين من هذا البلد، الذي كان منفتحاً على الغرب، يحاربون في سوريا والعراق وليبيا، تحت رايات «داعش» و«النصرة» وغيرها من التنظيمات الدينية المتطرفة، وينفذون هجمات إرهابية في أوربا، والحكومة لا تسعى لاستعادتهم، كما يقول رئيسها! وبعد ست سنوات من «ثورة 25 يناير» ما زالت الأزمات الاقتصادية والسياسية في مصر حديث أجهزة الإعلام والناس في الشارع هناك! وليبيا التي كانت تعاني من حكم ديكتاتور كبير واحد، أصبحت تخضع لحكم ديكتاتورات صغار كُثر، تحت رايات جماعات وتنظيمات قادمة من الداخل والخارج! واليمن الذي كان يعاني من فساد وطغيان وتسلط علي عبدالله صالح، أصبح اليوم يعاني من تغول وطغيان الحوثيين، الذين انقضوا على السلطة بدعم من إيران، وأصبح الجوع والخراب والموت ينتشر في مدنه وقراه! وسوريا التي كانت تعاني من استبداد وطغيان وتسلط فرد وحزب واحد، أصبحت اليوم تعاني من استبداد وطغيان وتسلط أحزاب وجماعات وتنظيمات مسلحة، ومن سيطرة قوى خارجية، تتدخل في شؤون البلاد بموافقة أو رغماً عن السلطة التي لم تعد حاكمة.

هذا هو المشهد بعد ست سنوات مما حسبناها وقتها ثورات، يلخصه عنوان خبر نقرأه اليوم ونحسبه من تلك الحقبة، فهل نحن غائبون عن المشهد، أم نحن مغيبون؟.

المصدر: البيان