عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حديقة الأزهر.. حارسة الحياة والتاريخ

آراء

بدت حديقة الأزهر وهي تتصدر غلاف العدد الأخير من مجلة «الناشيونال جيوغرافيك العربية» غاية في الروعة والجمال، لا يمكنك إلا أن تفرح لأن رئة خضراء نبتت بعد جهد جهيد في قلب القاهرة، لتخفف الضغط على مدينة مهددة بالاختناق جراء الزحام والتلوث وتكدس البشر وإهمال المرافق الخضراء التي تعد المنقذ الوحيد للمدن وللبشر خاصة في مدن الازدحام اللامعقول!

تبدو «الجنينة» كما يسميها المصريون من علو شاهق كعين حقيقية حارسة، وكأحد حراس التاريخ النافذين الذين وجدوا ليشرفوا عليه من جميع جهاته، لا شيء من تاريخ القاهرة يخرج عن سيطرة الحديقة، فغرباً تطل القاهرة الفاطمية، تطل المساجد والأضرحة التي يحفها خط طويل من المآذن يشبه صوت الأذان الممتد طيلة نهارات القاهرة من تلك المساجد العتيقة، فيقف مسجد السلطان حسن وجامع محمد علي وقلعة صلاح الدين الأيوبي، فإذا التفت صوب الشمال لاحت لك مآذن الجامع الأزهر الشريف ومسجد الحسين، فيما يطوقها شرقاً شارع صلاح سالم كحد شرقي يفصلها عن منطقة السلطان أحمد الأثرية القديمة!

سيتعب الذين يحاولون النيل من مصر، سيتعبون كثيراً رغم محاولاتهم المستميتة، فمصر لها قلوب تحبها بعدد قلوب أهلها وأكثر، لذلك فكر ذلك الرجل الملقب بـ(آغا خان الرابع) في العام 1984 في أن يهدي مصر التي يحبها هدية خاصة هي في أمس الحاجة إليها، بعد بحث ومؤتمرات ودراسات عمرانية ومعلومات صادمة، تقرر أن تكون الهدية إنشاء حديقة ضخمة في قلب القاهرة لتكون رئة للمدينة وبهجة للقاهريين ولعشاق القاهرة!

أشار عليه مساعدوه والمهندسون الكبار المختصون في التصميم العمراني أن ينسى أمر الهدية، لكنه أصر واختار المكان ومضى مساعدوه في الإجراءات فاصطدموا بعشرات العراقيل الإدارية، فحسم المهندس الذي اختير لتنفيذ الحديقة الأمر، حين قال إن إنشاء حديقة في هذا المكان تحديداً أمر أكثر من مستحيل، الصدمة الكبرى كانت حين اكتشف أن الأرض التي وقع عليها الاختيار والبالغة 30 هكتاراً «75 فداناً» كانت ولأكثر من 500 سنة مكباً للنفايات! وقد بلغ الأمر بهذه النفايات أن التهمت أعماق الأرض والأسوار التاريخية المحيطة، إضافة لصعوبة البناء والتحرك فيها، وعلى الرغم من كل تلك الحقائق فإن المحاولات لم تتوقف!

منذ أن فكر الآغا خان في الحديقة عام 1984 وحتى باشرت الجرافات عملها، وإلى أن اكتملت وأعلن عن افتتاحها رسمياً عام 2005 كان زمن من الإصرار يمضي قدماً دون أي رغبة في الاستسلام للبيروقراطية والأنانية وذهنية العرقلة، وبعد 21 عاماً افتتحت الحديقة التي تكلفت 30 مليون دولار، بحسب المعلومات التي أشارت إليها المجلة، وقبل ذلك جهود عظمى تغلبت عليها عقلية أناس يؤمنون بأن ما ينفع الإنسان والأرض يستحق النضال احتراماً للحياة ولحق الإنسان فيها.

المصدر: صحيفة البيان