مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

حرفنا الذي يحتفي به الأتراك

آراء

لم يكن ثمة خيار من قضاء الإجازة بعيدا عن وطن مضطرب لا أمان فيه لعائلة صغيرة لم يتمكن أفرادها من رؤية أهلهم هناك بسبب “كرسي” يتشبث به من يصر على عدم القبول بإرادة الشعب وحتمية التغيير. وعلى العكس من ذلك، وبكل ديموقراطية اجتمعت الأسرة ووضعت خيارات السفر إلى أن استقر التصويت على زيارة إسطنبول وما حولها مثل “يلوا” و”بورصة”. وهناك رأيت في قصور السلاطين العثمانيين كثيرا من “الكراسي” التي صنعت تاريخ دولتهم، وباتوا اليوم يستفيدون منها ومن الآثار الأخرى في السياحة الثقافية والدينية أيضا.

وعلى الرغم من أن تركيا تحولت في الكتابة من الحرف العربي إلى اللاتيني منذ عام 1926 إلا أنها ما زالت تحتضن روائع الخط العربي في متاحفها وقصورها ومبانيها التاريخية. والكتابات الموجودة على المقتنيات في قصر “الباب العالي” وعلى جدران مسجد “آيا صوفيا” الذي كان كنيسة تؤكد اهتمام العثمانيين بالكتابة العربية. ذلك الاهتمام الذي توّجوه بأكبر جائزة عالمية للخط العربي يمنحها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول (إرسيكا)، الذي يضم هو الآخر عددا كبيرا من الوثائق والمخطوطات النادرة بالإضافة إلى لوحات الخط العربي القديمة والحديثة، ما يجعله من أهم المراكز في العالم لخطنا الذي أزاحته اهتماماتنا الأخرى، بالإضافة إلى “الكيبورد” الذي يكاد يقضي على مرونة الأصابع في الكتابة وعلى جماليات اللوحات الإعلانية بعد أن تقدمت فيها تقنيات الكمبيوتر على الإبداع البشري للحروفيات بمختلف أنواع كتابتها.

في قصر “الباب العالي” ومسجد “آيا صوفيا” في إسطنبول يتجلى واضحا إبداع الخطاطين بخطي الثلث والنسخ وكتابات “الطغراء” وغيرها… حتى المقتنيات التاريخية من سيوف ودروع تتزين بالخط العربي الذي نسيناه فيما اهتم به الأتراك وجعلوا منه تحفا يستمتع بها السائح ليشبع عينيه من جماليات حرفنا الذي يتقن أصوله عدد قليل جدا من أبناء الوطن الكبير على امتداد مساحته.

إلى ذلك، فإن المشترك في المفردات بين اللغتين العربية والتركية كبير جدا، فالأتراك تأثروا بالعرب وأثروا فيهم من ناحية تبادل المفردات، فنجدهم يستخدمون كثيرا من الكلمات العربية في لغتهم، وبعض كتابتهم اللاتينية ذات اللفظ العربي تشير إلى هذا التأثير المتبادل، ولم يعطلهم هذا التأثر عن التفكير باستغلال ما يمتلكون من تاريخ، وأضافوا عليه بأن جلبوا من البلدان العربية والإسلامية تاريخا وضعوه في مواقعهم الأثرية ليصبح محط اهتمام الزوار الذين عرف الأتراك كيف يجعلونهم يأكلون من طعامهم وحلوياتهم ويتعلمون بعض كلماتهم ويرتادون أسواقهم الشعبية، ويستمتعون بحرفنا العربي الذي صرنا نرحل إليهم لنرى بدائعه.

المصدر: الوطن أون لاين