زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

حفلات كيدية!

آراء

أحياناً نحتاج إلى إعادة تعريف الأشياء المعروفة، إما بسبب نسيان المفهوم أو بسبب العبث بالتعريف الأصلي له من لدن منتفعين خلفه.

تعريف (الحفلة) هو: إقامة مناسبة استثنائية للاحتفال بحدث استثنائي.

ولأن الأحداث التي يصدق عليها وصف «استثنائية» ليس من عادتها التكرار، فإن يوم «الحفلة» يصبح يوماً استثنائياً نادر التكرار من بين الأيام الاعتيادية، ومن هذه الندرة يكتسب هذا اليوم الاحتفالي امتيازه وبهجته.

ما يجري الآن في مجتمعنا من توالي الحفلات واختلاق الأسباب غير الاستثنائية لها هو عبث بمضامين هذا المفهوم الفرائحي وتفريغٌ له من محتواه الذي أُسّس لأجله.

أوجد الإنسان المتمدن فكرة الحفلة للتعبير عن فرح استثنائي، وإذا تكاثرت الحفلات تحولت إلى سلوك اعتيادي، وبالتالي يتحول الفرح بها أيضاً إلى شعور اعتيادي… باهت أحياناً.

كان الإنسان القروي يحتفل مرتين في حياته: حفلة الختان (في بعض المجتمعات) وحفلة الزواج. ثم لما تمدّن أصبح يحتفل مرتين: حفلة التخرج في الجامعة وحفلة الزواج.

الآن، ومع فائض التمدن، انتكس الإنسان إلى نوع آخر من القرويّة وهو سوء استخدام التمدن، أو سوء التعبير عنه، إذ صارت الحفلات تقام للطفل لمناسبة ولادته، عبر احتفالية باذخة في مستشفى الولادة، ثم حفلة لمناسبة بدئه المشي، ثم لمناسبة دخوله المدرسة ثم لمناسبة «تخرّجه» في الابتدائية ثم في المتوسطة ثم الثانوية فالجامعة، ثم لمناسبة زواجه، ثم كل عام لمناسبة ذكرى زواجه (هذا غير الاحتفال بعيد الحب!) ثم ثم ثم… في نهش واستدراج رأسمالي قبيح يجعل الأسرة في حالة استدانة للفرح، وليس استدامة له، كما قد يتوهم.

قبل أيام أطلعتني إحدى بناتي على بطاقة دعوة فاخرة وجهتها إحدى السيدات لمناسبة توقّف طفلها عن استخدام الحفاظات وبدئه استخدام الحمّام (أجلّكم الله).

هذا الاعتساف للحفلات، بمبرر ومن دون مبرر، ليس دوماً مردّه رغبة المحتفلين انتهاز أي فرصة للفرح والسعادة وإشاعة البهجة، بل ربما كان مردّه أحياناً إشاعة الضغينة والغيرة والتفاخر والتحاسد، خصوصاً بين النساء، فتتحول الحفلة إلى حملة للكيد وتصفية الحسابات!

ليس الإسراف في المال هو الذي يهدد أرصدتنا فقط، بل حتى الإسراف في الفرح يهدد أرصدتنا من الفرح والبهجة الحقيقية، غير المصطنعة وغير المهدرة.

إكثارك من الحفلات الهامشية، سيُضعف طعم الحفلة الحقيقية… حين تحين.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees