حق الليلة.. هلع وجشع

آراء

جميلة هي المناسبات الاجتماعية، ورائعة تلك الفساتين الملونة المطرزة بالزري، وممتعة أصوات الصغار وهم يغردون بين الأزقة كعصافير نثرت أجنحتها في الفضاء، وفاضت منتشية بالائتلاف والالتفاف حول قيم زرعها الأولون وأصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من الوجدان الإماراتي.. عندما نتمعن في الوجوه البضة مغسولة بعرق مايو وخيوط الشمس الذهبية تتدلى كأنها القلائد التاريخية، هنا طارق خفي ينقر شباك القلب يعيدك إلى زمان وإلى أفنية الرمل المبلل بالندى، تعيدك إلى رائحة العطر الأنثوي القديم.. تعيدك إلى أصوات أشبه بالمواويل عندما كانت الأمهات يجلسن عند الأبواب المشرعة ويوزعن «البيذاب واليوز والملبس»، كانت السماء تمطر بهجة على الأفئدة فتزهر وتثمر وعياً بالوجوه كونه بدأ بالعناية بتصفيف مشاعر الناس، كي يكون الإنسان خليفة الله في الأرض.. مشاهد «الحق الله» صور وسير وأساور وأسوار وحوار داخلي ما بين الذات والذات، ما بين الإنسان والحياة.. مناظر الحق الله، لا يحسها غير الأطفال لأنهم الأكثر صفاء ونقاء ووفاء وعفوية، لأنهم يسمون الأشياء بأسمائها من دون تلوين أو تقنين، لأنهم يحبون الحياة كما هي، هم مثل الوردة تعبق الكون بعفوية الرائحة وفطرة التكوين.

عندما تمعن النظر في وجوه الأطفال والأكياس الملأى بالحلو والمالح، تتدلى من أياديهم الصغيرة، والابتسامات تتجول على الوجوه الناضجة عرقاً وشوقاً وعشقاً للحياة.. تشعر أنك أمام فنانين مبدعين وتتمنى لو كنت واحداً من هؤلاء قبل التلوث وقبل الانسحاق تحت عواصف ونواسف العمر وما يصادفه في الطريق إلى النبضة الأخيرة.

هذا الجمال العفوي الذي يزورنا كل عام مرة واحدة والصغار لا يعرفون تعداد الأيام والشهور، بل إنهم يعتقدون أن ما يحصل اليوم يمكن أن يتكرر غداً أو بعد غد، بينما نحن الذين غرقا في بحور الأيام والسنين، نتكئ دوماً على مسند الذاكرة، فتعيدنا وتأخذنا تمط الحبال المهترئة وتلون وتزين ولكن دون جدوى.. هذا الجمال الفطري يشوهه الكبار الهلعون والتجار الجشعون فتضيع المناسبة ومعها فرحة الصغار، في هذا الضجيج اللا مبرر، وفي هذا الركض الذي تمارسه الأمهات، ويعتبرن ذلك فرصة سانحة لعقد سباقات التمظهر والتباهي لأخذ درجة الامتياز، أما التجار فهؤلاء الحيتان لا تشبعهم لقمة ولا تقنعهم نعمة فهم منشار النجار الذي لا يكف عن السحق ذهاباً وإياباً.

نقول: حلوة هذه المناسبات فقط لو أبعدت عنها المنغصات وكبلت أيادي النساء قليلاً، ولجمت نفوس التجار أيضاً.. لو تم ذلك لأنقذنا الصغار من بعض الزجر والنهر والقهر.

المصدر: الإتحاد