زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

حكاية التكريم

آراء

قبل ٢٥ عاماً، علمتُ أن فريقاً طبياً من روسيا بقيادة الدكتور أليزاروف مؤسس الثورة الحديثة في جراحة العظام، سيزور مستشفى الملك فهد التخصصي بمدينة بريدة السعودية. ذهبت إلى هناك لمعالجة مشكلة الرِّجل المزمنة معي، وبقيتُ تحت مبضع (بل منشار) الجرّاح ساعات، ثم التنويم في المستشفى لشهور تمدّدتْ.

تفضّل عليّ الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، أمير الرياض حالياً وقد كان أمير القصيم حينذاك، بزيارة استشفائية كان لكلماته اللطيفة فيها أثر كبير في رفع معنوياتي (المكسورة)!

كان للنقاشات التي تداولتُها مع الفريق العلاجي الروسي خلال السنة إلا أسبوعين التي أمضيتها في المستشفى أثر في بعض التحوّلات الفكرية التي تجاوزت عظامي إلى أعصابي!

بعد خروجي من المستشفى بمدة وجيزة، كان قراري بالتحول من اختصاصي في المجال العلمي الذي درسته في كلية العلوم بجامعة الملك سعود بالرياض ومارست العمل فيه لعشر سنوات، إلى حقل الدراسات الإنسانية، حيث ذهبت إلى روسيا والتحقت بجامعة موسكو الحكومية وأنجزت فيها خلال ثماني سنوات (بصفة غير متفرغ) بحثَي الماجستير والدكتوراه في تخصص سوسيولوجيا الثقافة.

العَشْرية الثانية من حياتي الوظيفية أمضيتها في مجلة «المعرفة»، حيث خوَّلتْ لي رئاسة تحرير تلك المجلة التربوية الثقافية الاقتراب أكثر فأكثر نحو حقلي العملي الجديد. كان هذا سبباً في ترشيحي للتشرف بتمثيل بلادي لدى منظمة «اليونسكو» طوال عشر سنوات، فكانت هذه العشرية الثالثة لي من حياتي الوظيفية في باريس هي الأكثر إثراءً لي، ليس على صعيد الفعل فقط، ولكن على صعيد المعرفة والتعلّم.

في «اليونسكو» … عملت كثيراً لكني تعلّمت أكثر.

وقبل البارحة، بعد التحولات من الرياض إلى بريدة إلى موسكو إلى باريس إلى الرياض مجدداً، كان موعد اللقاء مرة أخرى مع الأمير النبيل فيصل بن بندر بعد ٢٥ عاماً من اللقاء في مستشفى بريدة، ولكن هذه المرة في قصر الثقافة بالرياض، في حفل التكريم الذي أفاض به عليّ الأصدقاء النبلاء، تنظيماً وحضوراً.

وممَّا زاد بهجتي واعتزازي في حفل تكريمي هو سطوع التعددية والتنوع في ألوان الضيوف والحضور من مختلف الاتجاهات والأطياف الفكرية، فهو تكريمٌ خالٍ من التصنيف. كأن محاولاتي للإبقاء على حبل الوصل مع الجميع لم تذهب سدى بحمدالله، وهذا تكريمٌ آخر لستُ أقلُ فرحاً به من الأصل.

شكرًا لكل الذين رافقوني في محطات هذه الرحلة الممتعة، بأجسادهم أو بأرواحهم أو بأفكارهم أو بدعواتهم التي كانت تُقيل عثرات رِجْلي الضعيفة.

شكر خاص لثالوث تنظيم الحفل، الإخوة النبلاء: فواز المحرج، إدريس الدريس، خالد العواد.

وشكراً للضيوف الذين أسبغوا عليّ من وقتهم الثمين والمحدود فمنحوني حضورهم واهتمامهم.

الدرس الذي تعلمته من تلك الاحتفالية، أن: التكريم لا يأتي فقط لمن هو جديرٌ به، لكنه يأتي أولاً ممّن هو جديرٌ به.

المصدر: الحياة