أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

حينما تتغير القيم الأخلاقية

آراء

لا أعتقد أن هناك ثمة اختلاف في تقويم الكرم والوفاء والشجاعة أو العكس، وتعلمنا في المدارس منذ صغرنا عن حاتم الطائي وكرمه والحادثة الشهيرة التي نحر فيها فرسه الوحيد، ليقدم لحمه لضيوفه على رغم أنه غير ملزم.

هذه القيم التي نقرأ عنها منذ ما قبل الميلاد امتداد إلى ما قبل الإسلام وما بعده حتى يومنا هذا، انتابها نوع من التغيير وإن بقيت المسميات، وأصبح كثيرون يخلطون بين الكرم الفطري وكرم الواجب وكرم القادر وكرم الفقير، والأمر نفسه ينطبق على القيم الأخرى. طبعاً الإعلام يروج للقيم الجديدة لأسباب كثيرة، منها الهيمنة والإعلان والانتشار والنجاح، بعيداً عن نبل الهدف من عدمه.

لفتت نظري قصتان واقعيتان حدثتا بهذا الخصوص ورد فعل المجتمع والإعلام بما فيه التواصل الاجتماعي، إحداهما لشاب في العشرينات ذهب إلى الهند ليلتقي بمربيته الهندية بعد سفرها بسنوات، إذ أسبغت عليه الجماهير أنواعاً من الثناء على وفائه وتواضعه وما إليه. ربما لم يسأل أحد نفسه سؤالاً آخر، هو: لو لم يزرها ولم يسأل عنها وعرف الناس بذلك أتراهم سيتهمونه بالجحود والنكران؟ أشك في ذلك، بل إن كثيراً منهم سيقول سيدة أتت وأدت عملها وذهبت، فهي ليست أمه ولا أخته أو قريبة له.

من وجهة نظري، إن ما فعله الشاب أمر عادي جداً، بل هو واجب عليه تفرضه الأخلاقيات والقيم، فالمرأة ربته، وهذه الحالة أهم بكثير من أخريات كعمة أو خالة، ولن أقول كوالدته لأنها هي من أنجبته وربته بعيداً عن ظروف المربية، هل شاركتها أم أنها متوفاة! فلا علم لدي بذلك. وعلى اعتبار أن الشاب كان صادقاً في مشاعره فإنني لم أفهم لمَ صور اللقاء ونشره في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا لا يعني أن تصرفه كان غير نبيل، ولكن أستطيع أن أسبغ عليه الثناء أو أعتبره غير اعتيادي عندما يصرف لها مخصصاً شهرياً كراتب أو يشتري لها سكناً أو سيارة بحسب إمكاناته طبعاً.

من جانب آخر، فالقصة التي ظهرت قبل فترة عن المواطن السعودي الذي كرّم العاملة بعد قضائها أعواماً طويلة لديهم كانت أكثر حضارية وإنسانية، كونه كسر «التابو» التقليدي الذي تعود الناس عليه، فتعود العاملة من منزل الكفيل إلى بلدها وهي في أغلب الأحوال غير راضية إلا ما ندر.

القصة الأخرى هي عن الشاب الذي تبرع بجزء من كبده لأخته في الـ11 من عمرها، ورد الفعل المبالغ مرة أخرى بالثناء، والواقع أنني أتفهم لو أن الشاب تبرع لصديق له أو لصاحب فضل عليه، لأطلقت عليه كلمة المضحي، أما أن تتبرع لأختك فيما لا يوجد مانع صحي فيه فليس الأمر بذاك التضحية. نعم تستطيع أن تصفه بالبار والشهم، وأن تثني على الشاب مقارنة بآخر لا يعملها لأخته أو أمه مثلاً، لكن تخيل أنه رفض أن يعملها لأخته سيتهمه الجميع بعدم الرحمة والأنانية، وهو حقاً كذلك.

لا زلت أذكر قصة الشاب الذي قتل آخر في العهد الأندلسي ثم هرب ولجأ إلى منزل رجل مسن صادفه فخبأه لديه، وعندما أتى مطاردوه قالوا للمسن إن رجلاً قتل ابنك، فعرف أن الضحية هو ابنه، وأن القاتل هو من أجاره.

فقال لهم: «رحمه الله» ولم يبلغهم عنه، وبعد ذهابهم اتجه إلى الشاب الذي سمع المحادثة وكاد أن يموت من الخوف، وقال له: «اذهب فأنت طليق»، فماذا تسمون هذا؟

أصبحنا حقيقة ومع ضغوط الحياة وشراستها نصبح أكثر فأكثر أقرب إلى الشعور السلبي والموقف الأناني الذاتي، وبالتالي تطلعاتنا الأخلاقية تردى مستواها، وبدلاً من أن نحرص ونحض على القيم، صرنا نبعث رسائل لأطفالنا مبالغ فيها إيجابياً أو سلبياً.

المثير للتناقض هو أن مجتمعاتنا تتباهى دوماً بقيمها الأخلاقية وتسخر من أخلاقيات الغربيين، لكننا لم نسأل سؤالاً واضحاً هل استمر هذا التميز الأخلاقي لدينا؟

المصدر: الحياة