عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حين تكون إنساناً حقيقياً

آراء

من الأشياء التي تبهجني فعلاً مشاهدة السينما والحياة داخل الأفلام التي أشاهدها، سأقول لكم كيف يعيش الإنسان في الفيلم الذي يشاهده، يحدث ذلك حين تكون قماشة الفيلم مشغولة بحرفية قطعة دانتيل نادرة، بحرفية مخرجين عمالقة وممثلين أفذاذ وكتاب قصة وسيناريو أصحاب رؤية حقيقية، كتلك الأفلام التي مثلها وأخرجها كلينت إيستوود، وكأفلام أنتوتي هوبكنز وجوليا روبرتس وميريل استريب مثلاً!

يعيش الإنسان داخل الفيلم، تماماً مثلما يحدث حين يقرأ رواية، فيكون البطل هو الراوي العليم والمطلع على كل الخفايا والأسرار، أنت تشاهد بعض الأفلام فتشعر بأن هذا البطل هو أنت أو هو صديقك أو تعرفه جيداً، وكأنك تجلس في عقله إلى درجة أنك تغضب إذا لم يفعل ما كنت تريده أن يفعل في اللقطة التالية، تشعر بأنك بديله، وبأن التصرف السليم أن يمسك بصديقه الخائن مثلاً ويلقي به في المنحدر ليلقى حتفه، وطبعاً لا يفعل البطل ما تريده ولكن ما يريده السيناريو والمخرج بالتأكيد.

في فيلم «الحافة»، يتماهى العملاق أنتوني هوبكنز مع دوره كرجل حقيقي لن تصادفه سوى في أفلام السينما، تحكي القصة عن رجلين يعيشان مغامرة صعبة في محاولة للنجاة، كانا على حافة الموت إلا قليلاً، تحطمت مروحيتهما ليجدا نفسيهما في متاهات خطرة، فمن الغابات إلى الثلوج ومن الضياع إلى أنياب دب مفترس يشتم رائحة الدم من بعد أميال ليسبقهما إلى حياته أو ليسبقوه إلى موته، رفيقهما الثالث شاب صغير أسود قضى حتفه مقطعاً إرباً إرباً بين أنياب الدب، أما هما فظلا يركضان طوال الفيلم بحثاً عن نجاة، وابتعاداً عن حافة الموت المخيفة، كان أكثرهم شجاعة وهدوءاً وعطاء، حرس حياة الشاب حتى توفي، حمله وعبر به طرقات وعرة وفكك ساعته الذهبية ليصطاد له سمكاً ثم قتل الدب!

فجأة تكشفت الحقيقة، فالشاب على علاقة بزوجة البليونير العجوز، هذا ما اكتشفه الرجل وأن هذا الرفيق المزيف ليس سوى خائن يكرهه بسبب ثرائه، والطائرة التي يمتلكها لأجلها تزوجته تلك الشابة التي يحبها، مع ذلك ظل متماسكاً، وبقي كما هو رجلاً حقيقياً لا يغدر، كما يعرف كيف يتشارك الأوقات الصعبة مع رفاقه وقت الخطر، لكن الشاب قرر أمراً آخر، حشا بندقية صيد عثر عليها في كوخ مهجور واقتاد العجوز بعيداً وطلب منه أن يستدير ليقتله، كان يخشي أن ينظر إلى عينيه، متذكراً أنه أنقذه من الموت ومن بين أنياب الدب، بينما هو يخونه مع زوجته، ظل العجوز ثابتاً والشاب يتقهقر إلى الوراء مردداً: «لا تأمن خيانة أحد» حتى سقط من أعلى فوق خشبة اخترقت ساقه، فسمع العجوز يقول له: «أنت أيضاً لا تأمن خيانة الموت»!

مات الشاب متأثراً بجراحه ونجا العجوز، حين سأله الصحافيون كيف مات أصدقاؤه الذين كانوا معه، أجابهم: «الحياة تجارب، وبعضها يأتيك في غير وقته، أصدقائي ماتوا وهم يحاولون إنقاذ حياتي».

المصدر: صحيفة البيان