حين لا تشاركك إلا الوحدة

آراء

ذهبتَ بعيدا ولم تفكر لوهلة أن تعود وكأن الذهاب رحلة مبتغاة.. وحين شاهدتَ عن كَثبٍ عينيها التي تضم صورتَك.. لم يساورك شكٌ في المحبة.. كنت تبتسم لها.. تطيّب خاطرها.. تروي لها قصصا تروق لها وحكاياتٍ تهدّي خاطرها، تروي لها ذكرياتٍ ترطّب لها قسوة العمر وحسرة الأيام… تدرك كم تعاني من ألمٍ وحزن إلا أنك تغتصب البسمة التي تدرك مدى رماديتها، إلا أنه قلب الأم الذي يمنح اللون الرمادي لونا مبهجا يرتدّ لك.. تأنس للحظة رغم ما تعانيه من ألمٍ مرعبٍ في جسدك يقتات في كل لحظة.. وأنت تدرك ذلك إلا أن قلبك لا يشاهد سوى وجهها الذي قبّلك آلاف المرات.. وها أنت تحاول أن تردّ له قبلة واحدة.

أتذكر عندما لبستَ ذلك الطوق من الأزهار، وكأنك تستعيد يوم ولادتك، كنت أشبه بملاك يحمل هالة لكنّها صادقة نظمتها يدٌ من أزهار الوطن.. الملاك فكرة.. والهالة فكرة.. وأنت واقع.

ذهبتَ إلى المداوي على غفلة الجميع تسأله عن حالك… حين عرفتَ الحقيقة طويتَ ذلك عبر ابتسامة لا تراها سوى هذه الأم علّها تطمئن ليساورك الفرح المخبوء فقط عندما تدرك أنها راضية عنك.. وكأن كلمات “المداوي” خدعةٌ تمنحك قدرةً على الابتسام لوجه من تحب… كأنّ وجهك المضيء يمنح أهلك رغم معرفة المآل فرصةً من أمل.. ومسافةً من حلم.

ذهبتَ بعيداً عن ألمِك لكنّه يتقن المسافة.. منحتَه ظهرك.. ومَنحتَ وجهاً مبتسماً لأمّك محاولةً منك لتمنحها البرء والعافية، حين لم تجد بداً من الموت الذي داهمها.. وأنت تخفي ألمك، داهمها وأنت تبتسم لرائحتها، داهمها وأنت لا تصدق أن موعد رحلتها قد أزف.

حينها.. لم يعد للابتسامة جدوى.. حينها لم يعد سوى حزن عجيب وألمٍ ممضٍ. 

اتخذت قرارك باللحاق بها.. كان موعد الرحلة متأخرا، لكن بعد رحيلها بشهرين تأكد موعد رحلتك.

في رثاء محمد البريدي

المصدر: صحيفة الوطن