حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

خبر متحرّش

آراء

لا تزال «قضية العيد»، أي قضية التحرش في مكان عام بجدة، تتفاعل وتحظى بتغطية مستمرة من وسائل الإعلام، ومن آخر أخبارها ما نشرته «عكاظ» يوم الخميس من أن دائرة العرض في هيئة التحقيق قررت تمديد إيقاف المتهمين 15 يوما، كون ما ارتكبوه «من الجرائم التي أثارت الرأي العام وباتت موجبة للتوقيف»، وأنه سيتم استدعاء الفتيات إذا أثبتت التحقيقات تورطهن في القضية. ويضيف الخبر بأن المحكمة الجزئية في جدة درجت خلال الفترة الماضية على رفض أي قضية أخلاقية يتم فيها الستر على الفتيات دون الشباب، ويصر القضاة على الستر عليهما معا أو محاكمة الجميع. هذا الخبر يستحق ثلاث وقفات على الأقل.
 
أولا: من الطريف جدا تبرير الإيقاف والشروع في التحقيق والمحاكمة بكون تلك الفعلة الخسيسة جريمة أثارت الرأي العام، وليست جريمة اعتداء وانتهاك وسطو على الأخلاق واستهتار بالأعراض والسلم المجتمعي توجب محاسبة مرتكبيها، سواء أثارت القضية الرأي العام أو لم تثره. فماذا لو لم توثق تلك الجريمة ولم يتحدث عنها الرأي العام، وأبلغت الضحايا عنها دون ضجيج، هل ستتساهل هيئة التحقيق فيها وتطلق سراح المتهمين؟
 
ثانيا: كيف يمكننا فهم استدعاء الفتيات «إذا ثبت تورطهن في القضية»؟. نريد من الهيئة أن توضح ماهية التورط لفتيات تم الاعتداء عليهن في مكان عام ليس ممنوعا عليهن ارتياده ولا هو مكان شبهة وريبة. هل تحرشت الفتيات بتلك المجموعة من الشباب المستهتر؟ وهل يمكن لفتاة أو فتيات أن يورطن أنفسهن بأخذ زمام المبادرة بالتحرش بذلك الشكل وفي ذلك المكان؟. إنه أمر غريب قد يكون سببا في مزيد من المشاكل وتعقيد البت فيها بعدالة وإنصاف.
 
وثالثا: نقدر لقضاة المحكمة الجزئية مفهومهم للمساواة برفض أي قضية يتم فيه الستر على الفتيات دون الشباب، ومحاكمتهما معا أو الستر على الجميع، لكنها تبدو غير منصفة في هذا الموضوع بالذات؛ لأن الفتاة هي الضحية الرئيسية في كل الأحوال، والقضاة جزء من مجتمعنا ويعرفون أن الكيان الأنثوي لدينا معرض للتهشيم من كل الجهات عند حدوث قضية لها علاقة بالعرض والأخلاق. ثم إن موضوع الستر الذي قد تدعيه بعض جهات القبض والتحقيق لا وجود له في الحقيقة؛ لأن هذه الجهات هي أول من يشهر بالفتاة بصورة غير مباشرة تمهيدا للفضيحة العلنية.
 
ستظل كل الحلول الحقيقية غائبة ما لم نتخلص من فوبيا إصدار القوانين التي تنظم حياة المجتمعات.

المصدر: عكاظ