عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

خلاف قطر والسعودية في سوريا

آراء

الانكسار الحاصل في سوريا اليوم محزن وتبعاته المستقبلية خطيرة، ويأتي في ظل خلاف قطري سعودي، البلدين الشريكين في مساندة الشعب السوري في وجه مذابح النظام وحلفائه. الحقيقة سوريا جزء من من مسببات الخلاف، ففي الوقت الذي كانت تدعم السعودية القوى الوطنية السورية مثل الجيش الحر اختارت قطر دعم جماعات مسلحة، دولياً مصنفة ارهابياً، امتداداً لما تفعله قطر في ساحات حرب أخرى، مثل ليبيا.

تباين الرياض والدوحة في سوريا بدأ مبكراً، منذ بدايات الانتفاضة هناك، لكنها كانت أزمة صامتة. فقد كان البلدان مقتنعين بان استقرار سوريا والمنطقة ليس ممكنا بوجود نظام بشار الأسد المتآكل، وبعد المجازر المريعة بحق المدنيين، ولأنه مكن إيران من السيطرة على بلاده عسكرياً بما يهدد إقليمياً أمن دول، مثل الخليج والعراق وتركيا. ومع الدمار تزايد تشريد ملايين الناس، وازداد خوف العالم من تحول سوريا إلى مركز للإرهاب، إلا أن قطر استمرت تدعم داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام وغيرها. أما السعودية فقد كان خيارها الأساسي الجيش السوري الحر. واتسعت شقة الخلاف بين البلدين الخليجيين في إدارة المعارضة داخل «هيئة الائتلاف»، وعلى الأرض كان داعش والنصرة «القطرية» تهاجم الجيش الحر «السعودي»، وتسلب أراضيه المحررة من النظام.

الخلافات رفعت الستارة عن نشاطات قطر التي كانت تتخفى وراء التحالف، بعد أن تكاثرت أجهزة التجسس الدولية ترصد خيارات البلدين في جنوب تركيا، وشمال الأردن.

الخلاف أعمق مما تراه العين، السبب الحقيقي أن السعودية ترتاب في نوايا قطر بسبب حرصها على جذب ودعم الجهاديين، وخاصة السعوديين.

الرياض تشك منذ التسعينيات، أي منذ بداية خلافاتها إثر الانقلاب في الدوحة، بان حكومة حمد بن خليفة كانت تعمل على استهدافها بدعم معارضيها مالياً وإعلامياً، بمن فيهم أسامة بن لادن.

بعد الغزو الأميركي للعراق لعبت قطر دوراً خطيراً في تمويل ما سمي بالمعارضة، وخاصة المقاتلين الأجانب، وبينهم سعوديون. كانوا يتجمعون في سوريا ويرسلون، مع المقاتلين الأجانب الآخرين، إلى المحافظات العراقية الثائرة مثل الأنبار. جرى ذلك خلال فترة تحالف نظامي حمد والأسد لنحو عشر سنوات في لبنان والعراق وغزة، واختلفا قبيل ثورات الربيع العربي بعام.

في ثورة سوريا تكررت شكوك السعودية، حيث استمرت قطر تدعم المسلحين السعوديين ضمن تبنيها لتنظيمات إرهابية، مثل النصرة، التي وضعتها السعودية على قائمتها السوداء، وأصدرت إنذارات علنية لمواطنيها تحذرهم من الانخراط في الحرب السورية، وطلبت من تركيا عدم مرورهم من أراضيها. ومن أبرز السعوديين الهاربين عبدالله المحيسني، الذي تولت قطر رعايته ضمن تمويلها لجبهة النصرة الإرهابية.

قد يبدو من التناقض أن يدعم السعوديون، من جهة، الثورة السورية، وفي الوقت نفسه يعترضون على دعم المقاتلين الأجانب لها، وذلك لأنها تخشى من ارتداداتهم عليها. كانت ضدهم في أفغانستان، بعد خروج السوفييت، وضدهم في حروب البوسنة والصومال والعراق. إلا أن حرب سوريا كانت الكابوس الإرهابي، فيها إيران وميليشياتها وداعش وشقيقاته.

بالنسبة للرياض، ما وقع للشعب السوري من ذبح لم يكن مقبولا، ولا هيمنة إيران على سوريا مقبولة.

قطر دمرت المنطقة، بتفضيلها المتطرفين، مثل الأخوان في مصر، والجماعات المتطرفة في ليبيا وسوريا، وورطت السنة في العراق. وجماعاتها المتطرفة هي التي استهدفت مجاميع الثورة السورية، أكثر مما فعلته قوات الأسد وميلشيات إيران. وتسببت قطر في تشويه صورة الشعب السوري وأحلامه.

كنا نعتقد في البداية أن هناك بارانويا سعودية من قطر، وأنها تبالغ في ارتيابها، لكن تكرر ممارسات الدوحة بإصرار واستمرارية عجيبتين على دعم المتطرفين المسلحين، وغير المسلحين، أثبتت أنها سياسة وليست مجرد ردود أفعال أو تخيلات.
المصدر: البيان