دروس العاصفة!

آراء

ما أكثر الدروس التي يفترض أننا في مجلس التعاون الخليجي تعلمناها منذ انطلاق عاصفة الحزم في 26 مارس، وهي في معظمها تذكير بأهمية أخذ المبادرة واستباق الأحداث والواقعية في تعاطينا مع وعود «الحلفاء» وفي رؤيتنا لعلاقاتنا مع من حولنا. أول العبر المهمة أننا في الخليج أقوى مما كنا نعتقد في أنفسنا. فما إن أخذنا بزمام المبادرة حتى تذكرنا أن:

السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ إنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ

دعونا نراجع رؤيتنا لأنفسنا ما قبل عاصفة الحزم، لقد شعر كثير منا بشيء من الحيرة والتردد، خصوصاً أمام تمادي صناع الفوضى في منطقتنا في الاستهتار بكل القيم والمبادئ وإمعانهم في الغرور والغطرسة والاستفزاز واستعراض القوة وكأن «صبر الخليج» ليس سوى ضعف وخوف، فداعش يهددنا بالموت ويتوعدنا بالفوضى من الشمال. ومن الجنوب الحوثي يستفزنا بحماقاته وتهدياته وصور أوليائه في إيران. ثم يطل علينا أحد طبول الحرب الإيرانية منتشياً وبكل جرأة: «نحن أسياد البحر»! وما هي إلا أيام حتى يظهر بوق آخر يعلنها على الملأ: بغداد عادت عاصمة بلاد فارس!.

مخيف جداً أن تشك في نفسك وفي قدراتك. ومحبط جداً أن تشاهد كل هذا الاستفزاز وهذا العبث يهدد أمنك الوطني ولا تعرف ما تفعل. لكننا ـ وعلى الرغم من السنوات العجاف التي تمر بها منطقتنا منذ بداية ما ظنناه «ربيعا» ـ لم نفقد ثقتنا في قياداتنا التي نعرف جيداً أنها تجيد الصبر لكنها لا ترضى بالمهانة.

وندرك أنها حينما تغادر صبرها فإنها تكون على أعدائها «عاصفة حزم». وصرنا اليوم أكثر واقعية في رؤيتنا لمن زعموا طويلاً انهم الأصدقاء والحلفاء فإذا بالعاصفة تكشف لنا انهم فقط وراء مصالحهم وأننا بالنسبة لهم لسنا سوى ما يشبه «حنفية الماء»! ولعلها فرصة ثمينة الآن أن نميز الصادق من المخادع.

انكشفت الوعود الكاذبة في البرلمان الباكستاني وفي تصريحات «أردوغان» من طهران! ولهذا دعونا نلتفت أولاً لأنفسنا كي نكتشف مكامن قوتنا ونقاط ضعفنا. فقد أثبتت العاصفة صحة مثلنا العربي الشهير: «ما حك جلدك مثل ظفرك»!

في الخليج، نحن اليوم مطالبون بالترفع عن صغائر الأمور في علاقاتنا مع بعضنا والسير على نهج الآباء المؤسسين في رؤيتهم لمجلس تعاون يعمق أواصر الاخوة بين أبناء المجلس ويدعم كل جهد يسعى لمزيد من التعاون والبناء.

وعلينا ان نسأل أنفسنا: ما الذي ينقصنا؟ فما شهدناه خلال أيام «عاصفة الحزم» من تعاون بين الأشقاء ومن تنظيم وقوة أبهرت البعيد قبل القريب تدفعنا للاعتماد أكثر على أنفسنا في مواجهة كل التحديات، أمنية كانت أو اقتصادية.

وفي الوقت ذاته لابد من رؤية استراتيجية جديدة ومختلفة إزاء تحالفاتنا القادمة وتجاه اليمن، تحديداً، الذي هو في الأصل عمق لأمننا القومي. من الخطأ إهمال التنمية في اليمن. ومن المقامرة أن نركز تحالفاتنا القادمة في اليمن على شخصيات ربما لا تفكر في غير مصالحها الخاصة أو الآنية.

وأي أستراتيجية قادمة تجاه اليمن لا بد أن تخطط لليمن ما بعد خمسين سنة آخذة في الاعتبار تنمية الإنسان اليمني أولاً والتأسيس لمصالح حقيقية يجد فيها المواطن اليمني أن مصلحته (أمنياً واقتصادياً) هي في تحالف صادق وعميق مع أشقائه في الخليج وليس مع سياسيين مؤدلجين في طهران أو الضاحية! ومثل هذا المشروع يحتاج الى رؤية عملية وبجدول زمني دقيق مع استثمار واع في شباب اليمن المتعطش لتنمية شاملة تخرج بلاده من أفكار الحوثي وولاءاته الطائفية.

نخطئ إن صدقنا ان إيران سترتدع عن اللعب في المناطق الخالية من حضورنا.

ونخطئ أكثر إن اعتمدنا فقط على أساليبنا القديمة في التعاطي مع اليمن بشراء ولاءات هنا وهناك من غير «مشروع» متكامل يشعر المواطن اليمني بمصالحه الكبرى مع دول الخليج ويريه ـ على الأرض ـ مشاريع تنموية تعنى بالإنسان اليمني أولاً.

وعلينا أن نتعلم من التجربة الإماراتية مع مشاريع التنمية التي نفذتها مؤخراً في مصر. فالمواطن المصري اليوم يرى فائدته الكبرى من تحالف بلاده مع دول الخليج عبر مشاريع تنموية على الأرض المصرية وليس فقط عبر وعود كبيرة في المؤتمرات والتجمعات الدولية.

الإماراتيون نجحوا في مصر لأنهم بمشاريعهم التنموية الكبيرة خاطبوا أولاً المواطن المصري في كل أنحاء مصر عبر مشاريع بنت المستشفيات والمدارس والطرقات وجهزت باصات النقل للمدارس وساهمت في حفر الآبار ودعم مشاريع الشباب.

فما كان يستغرق عشرات السنين للتنفيذ صار يُنجز في أشهر بسبب الإدارة الجادة والمتابعة الدقيقة. ما الذي يمنع من استثمار هذه التجربة الإماراتية الناجحة في مصر في مشاريع «إعادة الأمل» في اليمن؟ بل ما الذي يمنع أن يتولى ذات الفريق ـ الذي قاد بجدارة مشاريع الإنقاذ التنموية في مصر ـ إدارة ومتابعة مشاريع البناء الجديدة في اليمن، بذات الرؤية المبهرة في التخطيط ونفس الإسلوب الحازم في الإدارة والتنفيذ؟

نجحنا بامتياز عسكرياً في عاصفة الحزم. وعلينا أن نعمل بجد لتحقيق نفس المستوى المبهر من النجاح في عملية «إعادة الأمل».

المصدر: البيان