دفاعاً عن الأدب

آراء

أُلغيت محاضرة بدرية البشر التي كان مقرراً انعقادها في جامعة قطر قبيل ساعات من انعقادها، تحقيقاً لرغبة الكثير من الطلاب والمثقفين والصحافيين وغيرهم من المهتمين. ويُحسب لجامعة قطر إلغاؤها لمحاضرة غير مرغوب بها من قبل الأغلبية، والتي لو كانت ستعقد لم يكن ليحضرها الكثير. وأنا مع إلغاء أي محاضرة غير مرغوب بها من قبل معظم من تحدثوا بهذا الشأن، ولكني لست مع سبب الإلغاء، والذي كان كما قيل: بسبب تطاول الكاتبة على الذات الإلهية بشهادة جزئية في روايتها «هند والعسكر».

قبل الخوض في الأسباب يجب التوضيح بأني أحترم كل رأي، وأن ما سأطرحه هو ما أراه منطقاً يخاطب العقل، كما أنني قبل كل شيء لا أرضى بأي تطاول على الله ورسله، ولا حتى على أي أحد من مخلوقاته، هذه هو الحق الذي أراه، وسأسرده عبر نقاط:

أولاً: التطاول الذي حصل، ورد في سطور رواية أدبية، وعلى لسان إحدى الشخصيات المعنوية الخيالية، ولم يرد على لسان الكاتبة شخصياً بلفظ صريح.

ثانياً: نستطيع أن نقيس هذا التطاول برجل جلس مع أقربائه وقال لهم: صديقي المسيحي يعتقد بأن الله هو المسيح. الكاتب هو شخص ينقل الأحداث، بالضبط، مثل هذا الرجل في المثال. فهل نعاقب هذا الرجل بسبب ما يعتنقه صديقه؟ أو لأنه نقل أفكار صديقه بغض النظر عن سبب ذلك؟ ماذا عن مقولة «ناقل الكفر ليس بكافر»؟!

ثالثاً: هل سنحاسب كل كاتب على أفعال قاتل أورده في رواية من روايته؟! هل سنطالب برأسه بسبب كلمات في معظم الأوقات هي من نسج الخيال؟!

رابعاً: هل سنحاسب كل أديب على ما يرد في دفاتره؟ هل يمكننا أن نبعث نجيب محفوظ ونزار قباني، ونحاكمهم على أدبهم؟

خامساً: هل يعني منع محاضرة البشر أو «تأجيلها» بلفظ الجامعة، منعنا «للآخرين»؟ ماذا لو احتجنا خدمات عالم فيزياء ملحد، هل سنعلن أننا لا نحتاج إلى خدماته بسبب إلحاده؟!

سادساً: قال الله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ». تهمة التطاول على الله عظيمة، لأنها تلصق بالمتهم تهمة الكفر -أيضاً- التي هي بدورها أعظم قدراً، وقد ترتد على مُوجه الاتهام إن لم يكن المتهم كذلك، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». رواه البخاري.

وأخيراً، كلماتي السابقة لم تكن دفاعاً عن شخص بدرية البشر، بل دفاعاً عن الأدب وحماية للأدباء، ولأننا أصبحنا نتهاون في الاتهام والتكفير. هذا رأيي بغض النظر عما صرحت به الكاتبة بعد إلغاء محاضرتها، فلها الحرية في أن تصرح بما تشاء، رغم أن ذلك قد عكس جانباً مهماً من شخصيتها.

المصدر: جريدة العرب – 2012-06-07