محمد الساعد
محمد الساعد
كاتب سعودي

دموع بندر بن سلطان !

آراء

خلال اللقطات النادرة التي تسربت لزيارة الأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية والسفير السعودي السابق بواشنطن، للديوان الملكي تناول الأمير منديلا صغيرا ومسح دمعة نافرة بعد تأثره البالغ مما رآه وسمعه في العرض الذي قدمه مركز الدراسات والشؤون الإعلامية والتقى فيه بمعالي رئيس الديون الأستاذ خالد العيسى ومعالي المستشار بالديوان الملكي الأستاذ سعود القحطاني وفريقه.

الأمير بندر قال بلهجته الجميلة «اليوم الواحد يقدر يقول الحمد لله، الإنسان يعلم أن البلد ومستقبلها في أيدٍ أمينة، الله يوفقكم وما تتصورون قد إيش أنا سعيد مما سمعته ورأيته من إنجازات المسؤولين اللي تخليني فعلا أروح لبيتي وأنا مرتاح، هذه الليلة من أحلى الليالي اللي مرت علي، خاصة أنه مرت علي ليالي تشيب الراس بحلوها ومرها، لكن حبيت تعرفوا هالشي مني مباشرة، وإنه شي فعلا يرفع الراس» انتهت الكلمات لكن عبقرية بندر «فهد السياسة وسلطانها» ستبقى.

طوال ثلاثة عقود ونصف تحول بندر بن سلطان إلى «أسطورة الدبلوماسية السعودية» كما وصفه المستشار سعود القحطاني، سنمر على بعض المحطات التي لا تفيه، لكنها ومضات تكشف القليل مما قدمه.

كانت أولى محطات الأمير بندر السياسية مفاجئة وغريبة، إلا أنها أعطت انطباعا حقيقيا عن الإمكانات الهائلة التي يمتلكها، ففي العام 1983 قرر الملك فهد بن عبد العزيز اختيار الأمير بندر سفيرا له في واشنطن، كانت المنطقة تئن من حرب أهلية في لبنان التي أضحت مقرا للخلافات العربية بعد انتقال المقاومة الفلسطينية إليها وانقسام السياسيين والطوائف اللبنانية.

الملك فهد وجه الأمير بندر وهو في طريقه إلى واشنطن برسالة للرئيس السوري حافظ الأسد تتعلق بالسلام في لبنان، الزيارة التي كان من المفترض أن تستغرق ساعات امتدت لـ42 يوما أسفرت عن اتفاق سلام لبناني حد كثيرا من الحرب الأهلية.

المحطة الثانية كانت العام 85 حين استطاع بندر بن سلطان أخذ موافقة الرئيس رونالد ريغن على الاعتراف بمنظمة التحرير في أول اختراق كبير للقضية الفلسطينية، ولهذه الموافقة قصة لابد من روايتها، فقد توجه بندر برسالة شفوية من الملك فهد تعبر عن قلقه من الوضع السيئ الذي تمربه المنطقة والظروف الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون، كانت المملكة قد دعمت إدارة ريغن في حربها ضد الشيوعية لأن ذلك كان إستراتيجية سعودية، والرئيس ريغن طلب بشكل استثنائي من الأمير بندر دعمه في حرب الكونترا حتى تأتي موافقة الكونغرس، الملك فهد استجاب وأحس ريغن بامتنان شديد للملك والأمير، وهو ما أكده عند استماعه للرسالة في مكتبه بالبيت الأبيض، قائلا: لقد كنتم أوفياء معي وسأستجيب لطلبكم،عندها وقف جورج شولتز وزير الخارجية، وقال فخامة الرئيس إن هذا انقلاب في موقفنا من الشرق الأوسط، أجابه ريغن اجلس، وطلب من الأمير بندر ومرافقيه عدم مغادرة البيت الأبيض وكتابة النص الذي يريدون إرساله للملك فهد، كتب الأمير بندر رسالة لا يكتبها الفلسطينيون أنفسهم، إذ لم يجير الامتنان الرئاسي الأمريكي لمصلحة بلاده، بل دفع به لصالح قضية فلسطين، حوت الرسالة اعترافا بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، وبالشعب الفلسطيني، وبدء محادثات مباشرة في تونس ضمن وفد أردني فلسطيني.

المحطة الثالثة كانت صفقة شراء طائرات الاي واكس التي تعثرت بسبب حساسيتها وموقف الكونغرس منها، وحاجة المملكة للوبي يدعمها، ولم يكن للجالية العربية أي تأثير، الأمير بندر لمح فرصة في التوجه للنقابات العمالية التي شرح لها تأثيرالصفقة على عمال المصانع وكيف ستوفر لهم الوظائف، النقابات بدورها ضغطت ودفعت الكونغرس للموافقة، لتذهب الاي واكس إلى السعودية كأول دولة خارج أمريكا.

أما صفقة الصواريخ الباليستية الصينية فقد جاءت إثر لقاء الملك فهد بريغن العام 85 في زيارته الشهيرة لواشنطن، حين لمّح الملك فهد له أن السعودية قد تواجه حرب مدن بسبب الحرب العراقية الإيرانية اللتين كانتا تتبادلان قصف المدن وخوفه على شعبه من تبعاتها، الفهد قال: فخامة الرئيس أظنك تؤمن أن من واجب أي دولة حماية شعبها وبأية طريقة ممكنة، قال ريغن: نعم ومن يلومها، اعتبرت الرياض تلك الإجابة فهما لرسالة الرياض باتخاذ أية خطوات لحماية وطنها.

على الفور بدأ بندر قصة المشوار الطويل والرحلات السرية التي تجلت فيها عبقريته على إقناع الصين لبيع الصواريخ الأهم في العالم مع دولة لا ترتبط معها بأية علاقات.

الأسطورة بندر بن سلطان توج مسيرته الفذة في حرب تحرير الكويت، فقد ساهم بعمله الدبلوماسي بإقناع الأمريكان للمساهمة في حماية المملكة وتحريرالكويت، ثم إقناع غورباتشوف رئيس القوة الثانية في العالم وحليف بغداد، والحصول على موافقة الرئيس حافظ الأسد ليس على القرار العربي فحسب، بل والمشاركة عسكريا.

العام 2001 فوجئ بندر بن سلطان كما العالم بضربات الحادي عشر من سبتمبر ومشاركة القاعدة بشباب سعودي قصدا لتوريط الرياض، استطاع بندر تحت إدارة الملك فهد والأمير عبد الله والأمراء سلطان ونايف وسلمان ومن خلال علاقاته المميزة مع البيت الأبيض والرئيس بوش تجنيب المملكة تبعات الوقيعة الكبرى التي دبرت لتوريط الرياض.

المحطة الأخيرة في مسيرة وطنية طويلة كانت بعد تولي الأمير مسؤولية جهازي الأمن الوطني وجهاز الاستخبارات في وقت حرج جدا، خصوصا مع تداعيات الفوضى الخلاقة وانهيار الدول العربية تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن، لقد بذل الأمير بندر من وقته وجهده الكثير لخدمة وطنه وملوكه، وهو كما قال في زيارته «أنام اليوم وأنا مطمئن على وطني».

المصدر: عكاظ