دول الخليج والديمومة الدبلوماسية

آراء

ثلاث دوائر لا بد من رسمها بشكل تتقاطع فيه، ثم يتوجب متابعتها للوصول إلى المخرجات في المستقبل.

أدعو القارئ الكريم للتريث في فك طلاسم ما تقدم حتى يأتي وقتها.

بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن المحطة الأولى له خارجياً ستكون للمملكة العربية السعودية في 23 مايو (أيار) الحالي وتزامنها مع ثلاث قمم، بدءاً من القمة الثنائية التي تجمع الجانب الأميركي بنظيره السعودي، مروراً بالقمة الأميركية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وانتهاءً بالدول العربية والإسلامية، استوقفني أمر أدعو القارئ الكريم إلى أن يشاركني فيه.

يأخذنا التاريخ للعودة إلى عام 2009، لنستحضر زيارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في مستهل رئاسته، فكانت الوجهة جمهورية مصر العربية.

عيون العرب شاخصة ومهللة لعصر جديد في عهد أوباما، بعد دمار حلّ بالأمة العربية قبل أن يحل بالعراق وذلك مع الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.

تصفيق حار من الحضور يستمر لدقائق، يأخذ الحماس البعض ليقف وأصوات تهتف فرحاً بأوباما، كيف لا فهو القادم بعهد جديد مغاير لسلفه.

خطبة عصماء يقاطعها الحضور بالتصفيق كلما جاءت تلك الخطبة على ذكر الإسلام، يتطرق أوباما لعدد من القضايا التي تهم المنطقة، يؤكد مسؤولية بلده بطريقة أو بأخرى فيما حدث في العراق، وضرورة مساعدته وشعبه لتحقيق الاستقرار فيه.

يسير القارئ بخياله لترتسم لديه الصورة القاتمة للعراق الذي مزقه البُعد الطائفي في حكومته، يتبعها ظهور «داعش» واستغلال ذلك الأمر، ويطل عليه أيضاً في ذلك الخيال من العراق قاسم سليماني، ليعود متسائلاً: أين ما قاله أوباما في تلك الخطبة العصماء؟ يتساءل وأصوات التصفيق للرئيس الأميركي السابق لا تزال تصم أذنيه.

يعود القارئ الكريم لكاتب هذه السطور ليسير معه لاسترجاع بعض ما قاله أوباما، خصوصاً ونحن على وشك الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية.

ينظر الرئيس الأميركي السابق للحضور في القاعة الكبرى في جامعة القاهرة ويقول: «أما إيران فإنها لعبت دوراً منذ قيام الثورة الإسلامية بأعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد الجنود والمدنيين الأميركيين… هذا الأمر معروف».

يهمس أحد الحضور لتلك الخطبة إلى زميله قائلاً: «إذاً أوباما مدرك لخطر النظام الإيراني وتوجهاته في المنطقة وخطرها على استقرار المنطقة» يوافقه زميله بإيماءة برأسه ليعودا إلى استكمال ما قاله أوباما في هذا الشأن حيث أكمل قائلاً: «لقد أعلنتُ بوضوح لقادة إيران وشعبها أن بلدي بدلاً من أن يتقيد بالماضي، يقف مستعداً للمضي قدماً… والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران، ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه».

تهديدات… تصدير أسلحة… زرع خلايا… تدخل في شؤون المنطقة… تهديد للبحرية الأميركية… اعتقال أميركيين من أصول إيرانية… احتجاز عناصر من البحرية الأميركية وتصويرهم بطريقة مذلة… جميع ما تقدم هو ما يسير في ذاكرة القارئ الكريم والقائمة تطول. لينتهي بالقول: إذاً هذا هو المستقبل الذي أراده النظام الإيراني. فما هي نتيجة ذلك وكيف تعامل معها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؟

النتيجة معروفة لدى الجميع بالوصول إلى الاتفاق النووي الذي لا يضمن عواقبه حتى الرئيس الأميركي السابق نفسه، والذي كان من أشد المدافعين عنه.

النتيجة مزيد من تدخل النظام الإيراني في المنطقة وأمام مرأى من الإدارة الأميركية وبذريعة محاربة الإرهاب الذي اعتبرت وزارة الخزانة الأميركية في فترة أوباما أن النظام الإيراني راعٍ للإرهاب، ويسهل مرور الإرهابيين لمناطق النزاع.

يا ترى لماذا جاءت النتيجة على خلاف تلك الخطبة وما جاء فيها؟ يتساءل القارئ.

نعود هنا إلى تلك الدوائر الثلاث والمتشابكة فيما بينها لعلها تساهم في الوصول إلى إجابة لتساؤل القارئ، لنسقطها لاحقاً على الإدارة الأميركية الجديدة ومستقبل تعاطيها مع ملفات المنطقة ومنها تعاطيها مع النظام الإيراني.

ويمكن تصنيف تلك الدوائر على النحو التالي:

الدائرة الأولى تتمثل في قراءة الإدارة الأميركية الأولية في التعاطي مع النظام الإيراني، وفق معطيات تقارير وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين.

الدائرة الثانية والتي تتضح معالمها في واقع المنطقة وحقيقة ومدى تأثير كل طرف على الأرض وفعاليته في ملفاتها، والتي تسقط تأثيرها بلا شك على القراءة الأولية في الدائرة الأولى رغم معطيات التقارير.

الدائرة الثالثة والمتمثلة في الديمومة الدبلوماسية التي تتطلب معها دعما إعلاميا ودبلوماسية متعددة الأطراف من الدول ذات الاهتمام تصبو إلى هدف رئيسي، وهو التأكيد على معطيات الدائرة الأولى وما تؤكده تقارير وزارة الخزانة الأميركية ووزارة الخارجية الأميركية من الدور السلبي للنظام الإيراني في المنطقة لتأتي الدائرة الثالثة لتعزز تلك المعطيات بالشواهد والحقائق.

تدخلات في المنطقة، وزرع خلايا وميليشيات مسلحة في مناطق التوتر، وتهريب للسلاح، واحتواء الجماعات الإرهابية، وتسهيل وصولها لمناطق القتال، وتوظيف الطائفية والمذهبية توظيفاً سياسيا بحتاً أدوات النظام الإيراني التي تتراءى أمام القارئ ليصل إلى نتيجة مفادها أن الدائرة الثانية حبلى بالكثير من الأدوات التي استخدمها النظام الإيراني للتأثير في الدائرة الأولى ومعطياتها رغم الشواهد التي تؤكد حقيقة التقارير الداعمة للدائرة الأولى.

ولكن ماذا عن الدائرة الثالثة وإفشالها وتعرية حقيقة ادعاءات النظام الإيراني في ممارساته في الدائرة الثانية فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؟ يتساءل القارئ.

أكثر من ثلاثين زيارة قامت بها شخصيات إيرانية سواء دبلوماسية، أو تلك التي أنشأت مجالس في أميركا تخدم النظام الإيراني وتسعى لتحسين صورته في أميركا. زيارات ساهمت بشكل كبير بالإضافة إلى الدائرة الثانية وحقيقة الواقع الذي تعاملت معه الإدارة الأميركية في المنطقة في التأثير على الدائرة الأولى، وبالتالي تغافل للإدارة الأميركية السابقة لواقع دور النظام الإيراني التخريبي في المنطقة، بل والتمادي في ذلك بعد توقيع الاتفاق النووي رغبة في دور أكبر لها في المنطقة كما قال المستشار السياسي للمرشد الإيراني.

وبدلاً من أن يتساءل القارئ الكريم، يوجه كاتب هذه السطور سؤالاً له، وأين دول الخليج العربي والدول العربية من تلك الدوائر والتأثير فيها وعليها فترة الرئيس السابق باراك أوباما؟

أدعو القارئ وبدلاً من أن ينشغل بالماضي أن نقدم مرئيات للمستقبل، وذلك مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة.

الدائرة الأولى تشير إلى قراءة واضحة من الإدارة الأميركية الحالية وإدراكها لحقيقة الدور التخريبي للنظام الإيراني في المنطقة، وهو ما عززه التقرير الأخير للاستخبارات الأميركية باعتبار النظام الإيراني مهددا رئيسيا للولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في المنطقة من خلال الكثير من الأدوات.

الدائرة الثانية النظام الإيراني يستكمل مسيرته في تعزيز الأمر الواقع وأوراقه الضاغطة في المنطقة لإجبار الإدارة الأميركية للتعاطي ليس وفق حقيقة دور النظام الإيراني التخريبي، وإنما وفق واقعية معطيات الواقع في الدائرة الثانية.

وأما الدائرة الثالثة فنقول بصوت واحد مع القارئ الكريم آن الأوان لديمومة دبلوماسية حقيقية فعالة مستمرة وحيوية تقودها دول الخليج مع الدول العربية، لإبراز الخطر الإيراني ودوره التخريبي.

ديمومة دبلوماسية مُبادِرة وليست آنية وتتعاطى فقط بموجب رد الفعل فحسب، عندها ستلعب دورها في تعزيز رؤية الدائرة الأولى وتُعري الدائرة الثانية وتكشف حقيقتها لتكون عنصرا ضاغطا على النظام الإيراني، وليس ورقة يوظفها لاستمرار نفوذه في المنطقة.

المصدر: الشرق الأوسط