ديموقراطيتنا (2)

آراء

من يريد أن يفهم لماذا نقول إن ديموقراطيتنا هي لنا ومن هنا، وهي مفصلة على مقاس قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، وشيم الآباء ونخوتهم وشهامتهم. الديموقراطية هنا لم تأت من بعيد، لتهب علينا برياح وجراح، إنها من قلب المكان، ومن روح التاريخ.

ولو رجعنا إلى محفظة الماضي، وفتحنا الصندوق القديم، سنجد فيه من هذه العطور الزكية، سنجد العبق الطيب من القيم التي زرعها الأولون بعفاف السريرة، وشفافية المخيلة، ونقاء الطوية، وصفاء الثنايا والنواياa.

في الإمارات، عندما تجد الحاكم يقف جنباً إلى جنب، وكتفاً بكتف، مع الكبير والصغير من أبنائه المواطنين، فإنك لا تعجب أبداً، لأنه لم يختلق شيئاً جديداً، وإنما هو غرف من معين التاريخ التليد، وجلب من الكنز الثري ما فاض، وملأ السهول والوديان.

عندما ترى هذا السلوك القويم، فإنك لا تفعل شيئاً غير أنك تقلب صفحات التاريخ، وتقرأ وتشبع ناظريك بما أسداه هذا التاريخ من نواهل الخير، على ضمير الإنسان الإماراتي.

وعندما نتذكر من فصول التاريخ فقرات وشذرات، نرى أن ما يحدث اليوم من إبداع سلوكي، ما هو إلا من ذاك النهر العظيم الذي روى ربوع الأخلاق، وسقى بساتين القيم، حتى صارت الربوع مروجاً مشيدة، وصار الإنسان طائراً يغرد باسم الحب، ويحلق عالياً، ويحدق في السماء، ليرى النجوم من فوقه تتراقص طرباً بهذا المنجز الإنساني، والذي لا مثيل له ولا يشبه إلا نفسه.

يجب أن نقول لأبنائنا إن من سف سعف النخيل، ورفع سقف الخيمة، ومد شراع السفينة، هم أنفسهم الذين تعاونوا على إعادة المياه إلى مجاريها، بين جارين متخاصمين أو زوجين مختلفين، هؤلاء هم الذين استخرجوا من باطن الأرض عذوبة الماء ليسقوه محبة بين الناس، وهؤلاء جميعاً هم الذين جلسوا على حصير المودة على كلمة سواء، وتآلفوا وتوادوا وتراحموا، بين يدي حاكم ألهمهم سجايا العرفان والصدق، وبنوا سقوف العلاقة، وغرسوا أوتاد القيم، من قلوب لم يدخلها الحقد، ولم يغشيها نزق الكراهية. واليوم الإمارات تستلهم من هذا المحيط الشاسع، مفاهيم الديموقراطية، وتسير على نهج الأولين بخطى واثقة، وخطوات ثابتة، لا تهزها ريح، ولا تؤثر فيها نوازع حمقاء، ولا تغير في مبادئ أهلها ما يحدث في العالم من متغيرات، زلزلت وخلخلت وجلجلت وبلبلت، وهيّجت نوايا.

اليوم الإمارات، تقف راية مزدانة بهذا التاريخ، وغاية لا تغيرها الغواية، وحلم أبدي يصنع مجد الإنسان وظفره بالسعادة التي لم يدن منها أي شعب في العالم.

كل ذلك بفضل قيادة آمنت بخصال الآباء، واتحدت على مبدأ، وتعاونت على البر والتقوى، ونهجت طريق التراث القويم، الذي هو دستورنا وكتابنا الذي نستلهم منه العبر.

حفظ الله الإمارات وأهلها الأوفياء..

المصدر: الاتحاد