ذكريات رمضان التعيسة

آراء

مضى أكثر من نصف رمضان. كل شيء كان رائعا وممتعا. فجأة انقلب الجو. ارتفعت درجة الحرارة فألقت بعبئها على المكيفات. لم اكن اخشى الحر ولم أكن اخشى الظمأ فالصيام إيمان. الناس مشكلتي في رمضان. تمثيلية المعاناة التي نراها عند بعضهم يعطيك الإحساس أن ما يجري لهم من جوع او ظمأ سببه الآخرون. ينتهز أي مناسبة ليعبر عن توتره وقلقه ونزقه. على الآخرين الانتباه له وايلاءه عناية خاصة. يمن على الناس بصيامه، تتحول المناسبة الكريمة من عبادة إلى حفلة تعبير، تنضم إلى مظاهر التدين. وكلنا عانى من رمي السيارة بنزق طفولي سافر في عرض الطريق لأداء فريضة.

لاحظت أن الوضع تحسن هذا العام بشكل كبير، بدأ الصيام يعود إلى أصله الذي فرض من اجله، كل إنسان يصوم لنفسه فقط، لا يمنحك المجتمع نقاطا وحسنات اجتماعية ترفع قيمتك وتضعك في صدر المجلس أو تمنحك سلطة.

بحثت في أكثر من مكان عن بقايا الرجال المزدهين بأنفسهم أيام الصحوة. شباب الصحوة والملتزمون كما كانت تسميهم مكينة الدعاية. لاحظت واحدا في مطعم شعبي. يرتفق بكوعيه على طاولة المحاسب. يبدو عليه القلق والتململ. يكاد يتفتت مسواكه من عنف الفرك. يخرجه من فمه ويلقي عليه نظرة سريعة ثم يعيده مرة أخرى ويضاعف من قوة الضغط على أسنانه ثم يتلفت بقلق وينظر إلى الناس بحسرة. يبدو على مشارف الأربعين من العمر. في عز مراهقته. قبل عشرين سنة كان شيئا آخر.. يستطيع أن ينهر المحاسب ويهدد صاحب المحل ويلقي خطبة عصماء على الحضور. عاش زعيما متوجا في كل مكان يذهب إليه.

إحساس انسحاب السلطة من روح الإنسان مؤلم كانسحاب المخدر من دم المدمن. أحيانا لا يطاق. تابعت حركاته ونظرات عينيه كأني اقرأ في كتب الصحوة الصغيرة الملونة أو اسمع صراخ الدعاة في الكاسيتات. كيف كنت اراه في ذلك الزمن وكيف أراه الآن. مسافة عاطفية كبيرة. انتقلت مشاعري تجاهه مئة وثمانين درجة. انتقل من خانة الخصوم إلى خانة أخرى محزنة. انتابني الاحساس أنه مسكين، ضحية، كم فقد من جماليات الحياة وبهجتها من اجل سلطة دينية زائفة. بدد أجمل ساعات عمره يقاتل من اجل تأصيل الكآبة في روحه والترويج لها بين الناس.. كيف هي حياته الآن؟ هل يشعر أنه كان ضحية أم يشعر بالحنين للأيام الخوالي.

المصدر: الرياض