أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

«ذيل الكلب» والدكتور منير

آراء

سبق أن كتبت قبل 18 عاماً مقالةً عن الفيلم الأميركي «ذيل الكلب»، وهو فيلم كوميدي من بطولة روبرت دي نيرو وداستن هوفمان. والواقع أن أكثر من يفضح السياسة الأميركية هم الأميركيون أنفسهم.

أتذكر عند مشاهدتي الفيلم أنني بدأت أشك في كل شيء حصل في العالم، وتحديدا في الشرق الأوسط، فالفيلم كان يتهم الساسة الأميركان بأنهم يعملون أفلاما في هوليود ويبثون بعضها للعالم على أنها معارك حقيقية، وتشترك معهم أحيانا الدول التي يفترض أنها تعرضت للضرب.

الآلة الإعلامية الأميركية الجبارة اختلقت للشعب الأميركي أن دولة ألبانيا هي عدو للشعب الأميركي، واخترعوا أحداثا عدة تثبت صدقيتهم، لدرجة أنهم جعلوا الأميركيين يتعاطفون مع حكومتهم وترتفع شعبية رئيسهم، الذي يظهر بمظهر المنقذ والقائد لأميركا ضد هؤلاء السيئين والمجرمين من الألبان، وفي واقع الحال وبحسب الفيلم، لم تكن هناك مشكلة أصلا من طرف دولة ألبانيا. كان السبب في الفيلم أن الرئيس الأميركي تعرض لفضيحة كادت أن تطيح به، أو على الأفضل لن تعيد انتخابه فترة ثانية، فتم الاتفاق مع منتج هوليودي على هذا السيناريو الجهنمي، الذي جعل رئيسهم المحبوب الأميركي الأول. وعودة إلى الضربة التي وجهتها أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى سورية، فإنها تذكرني إلى حد ما بالموقف إياه، وهو هل هناك ضربة أصلا؟ وبعيدا عن ذلك وذاك لا أستوعب هذه المشاحنات بين تأييد أو شجب أو عتب أو رفض للضربة، فالمتعاطفون مع مأساة الشعب السوري انقسموا قسمين أو ثلاثة؛ فمنهم من هلّل للضربة المزعومة، ومنهم من غضب من كونها متهافتة وضعيفة، ومنهم من استاء من رد فعل ما أسموه بالقومجية أو الناصرية أو من رفض الضربة عموما، إذ كانت مبرراتهم أن هؤلاء لم ينبسوا البتة عندما كان الروس أو ايران أو حزب الله يقصفون أو يقاتلون مع النظام السوري ضد المعارضة السورية.

طبعا هناك ما هو مقبول وما هو غير مقبول، فلا أحد يقبل أي قصف ينال المدنيين الأبرياء، مهما كانت جنسيتهم أو ديانتهم، وبالتالي فعلى حد علمي لا أحد تبنى أو أيد مثل هذه العمليات، وإنما ما حدث في الماضي أو الحاضر أن كل طرف يدّعي أنه قصف أو قتل إرهابيين أو مقاتلين أو قواعد عسكرية، وبالتالي القومي أو الناصري، على سبيل المثال، لا يصدق أن النظام ومن معه يقصفون المدنيين. ويرون أنهم يدافعون عن وطنهم ضد حركات إرهابية.

نعود إلى الجانب الآخر، وهو الضربات الأميركية – البريطانية – الفرنسية، فسبب الاحتجاج عليها هو السبب أعلاه؛ فهم عملوها من دون تفويض من الأمم المتحدة، بل وبتنسيق مع الروس.

لنكن أكثر صراحة ونعلنها، بأن الأميركيين كما هم الروس يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه، هم المستفيدون من هذا الاستنزاف، بينما الضحية الرئيس هو الشعب السوري المسكين بين لاجئين ومقتولين، وبين ارهاب وتنكيل.

الحروب تتلاشى ويصبح الجميع في حالة «سعار»، ولكن المؤكد أن الدكتور منير، وهو طبيب مصري كان يعالج جدتي لوالدي رحمها الله في مدينة الخرج، اقول كان على حق عندما كان يقول منذ اكثر من 30 عاما «كله من الأميركان» أو «مؤامرة أميركية» أو «لعبة أميركية»، وكنّا – أخواني وأنا – نسخر من سذاجته، ولكني أتساءل الآن؛ من هو الساذج يا ترى؟

المصدر: الحياة