رجعنا للسينما

آراء

اسمع هذه الأيام همسات وهمهمات عن السينما. بلغني أن هناك نية لفتح صالات سينما في المجمعات التجارية بالمملكة. من سيكون سعيدا ومن سيكون تعيسا إذا شيدت هذه الصالات. السعيد محبو السينما والفنانون وأصحاب المحلات الذين سيجنون ملايين الريالات والتعيس ملاك صالات السينما في البحرين والمطالبون بحل مشكلة عضل النساء. صالات البحرين سوف تخسر كثيرا من عملائها. أما دعاة حل مشكلة عضل المرأة فسوف يخيب أملهم لأن مشكلة السينما حلت قبل أن تحل مشكلة أهم منها وأخطر.

في إحدى المرات استضافتني إحدى القنوات الفضائية. كان الموضوع عن السينما. الضيف الآخر دكتور. (معه شهادة دكتوراه). لم أكن أعرف أني كنت ضحية مؤامرة طريفة. دعاني المذيع ليوقع بي في شر آرائي. بحوزة الدكتور ملف يحتوي على كل القضايا التي تواجه المجتمع السعودي. المخدرات، عضل النساء، الطلاق، المطلقات السكن، المباني المدرسية المستأجرة. ملف ضم كل القضايا التي تخطر على بال سعودي. كان المذيع يريدها مناظرة بيني وبين الدكتور. قصتي هذه سبق أن قصصتها ولا تؤاخذوني إذا قصصتها في المستقبل. هي اقرب إلى الكوميديا والكوميديا من أهم الأجناس الفنية التي يحبها الناس. بدأ الدكتور كلامه بتأصيل باب الأهم والمهم. كان أول سؤال طرحه: خلنا صريحين أستاذ عبدالله هل قضية السينما التي تشغلون الناس بها أهم من قضية المخدرات. لا أملك إلا أن أقول لا. بالطبع ليست أهم ولا تقترب من أهميتها. ابتسم المذيع وسجل أول انتصار ضدي. لم يكتف الدكتور بالانتصار السريع والحاسم بل فتح ملفه وراح يقرأ أرقاما مخيفة عن التهريب وعدد المهربين والمشاكل الصحية والأسرية والضحايا الخ. وقبل أن يتركني ألعق جراح الهزيمة عاجلني بضربة أخرى سائلا: هل قضية السينما أهم من قضية عضل النساء. فقلت أعوذ بالله ومن يقول هذا. لم يجبني بل انتفض وراح يقلب ملفه العامر بالقضايا ثم أخذ يقرأ أرقاما تشيب لها رؤوس حديثي الولادة. تركني وراح هذه المرة ينظر في الكاميرا. قرر أن يخاطب الجماهير وجها لوجه: كم فتاة في عمر الورد حرمها والدها حق الزواج؟ كم فتاة راحت ضحية الآباء الظالمين وكم فتاة انحرفت بسبب حرمانها من حقها في الزواج. بعد ان بلغ به التوتر مبلغه التفت على المذيع المنتشي بالنصر المبين وقال: يا أخي الصحافة أشغلتنا بقضايا تافهة. لا تغني ولا تسمن من جوع. الأمة تواجه قضايا مصيرية وهؤلاء مرة يتحدثون عن سياقة المرأة ومرة عن بطاقة المرأة ومرة عن السينما ويتركون القضايا الخطيرة.

عدت إلى البيت وأنا أفكر في كلام الدكتور. قلبت الأمر على جوانبه. فاكتشفت أن الحق مع سعادة الدكتور وليس معه من ناحية أخرى. القضايا فيها مهم وفيها أهم. العقلاء يبدؤون بالأهم ثم الأقل أهمية حتى يأتي يوم ما ونصل إلى حل القضايا مثل سواقة المرأة للسيارة والسينما وغيرهما من توافه الأمور. اكتشفت أن مشكلة الدكتور ليست في المنهج ولكن في تحديد الأولويات. روسيا تملك حوالي سبعة عشر ألف رأس نووي. وأمريكا لا تقل عنها كثيراً. كيف نناقش عضل المرأة أو قضية المخدرات بينما مصير البشرية مهدد بالزوال. أليس الأجدر أن نبدأ الأهم قبل المهم. هل قضية المطلقات أو العضل أهم من قضية زوال البشرية والحضارات؟

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1008012