إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

رحلة التمشي في الصيف

آراء

يقبل الصيف علينا فتقبل الأفكار ومخططات السفر ونفتح الخرائط ونلف العالم من خلال مواقع ووكالات السفر العديدة، ونستحضر بعض المقاطع المصورة لبعض الشلالات والغدران والمنابع المائية والسهوب الخضراء، ثم نحتار في الاختيار ثم نسمع من الذين مضوا إلى ما لم نكن مضينا إليه من الجهات مع الأصدقاء والمعارف والأقارب، فكل يتحدث عن وجهات ذهب إليها لا يعرفها البعض، ونسأل: كيف الأسعار؟ كيف درجة الأمان؟ ما هي أماكن التفسح؟ وأشهر المطاعم والأسواق، ثم ننظر بعد كل ذلك في الميزانية المقدرة، فمنا من يسرف ويرهق نفسه ومنا من يشدد، وهناك من يقترض ومنا من هم عوان بين ذلك.

وهكذا تحدد الوجهة ومواعيد السفر، فحيثما ذهبت وأينما وليت في هذه الأرض، فثم «ربعك» وأهلك وجماعتك، وفي كل مدينة تحسبك أول داخليها، فستجد فيها مرتكزا يتجمع فيه السعوديون، يتناظرون ويتعارفون ويملأون الملاهي والمقاهي والمشاهي والمطاعم والأسواق والحدائق. يلتقون في نفس الأماكن ونفس الأوتيلات ويتجاورون في شقق التأجير، معظمهم يبدأ معظم يومهم من بعد العصر إلى ما بعد منتصف الليل.

لست معترضاً على كل ما أقوله هنا، خصوصا أنني ضمن جوقة الذين يشدون رحالهم مع العائلة في الصيف، ولا أتوقع أن يتوقف الناس عن السفر حتى لو توفرت أسباب الجذب إلى الداخل؛ لأن الناس ميالة إلى التغيير في المكان والزمان وفي تجريب النظر إلى ثقافات وأجناس ومذاقات مختلفة، إلا أنني أتطلع إلى اليوم الذي ننجز فيه مشاريعنا السياحية والترفيهية في جزر البحر الأحمر وفي نيوم والقدية، وكذلك ما قد تقدمه الهيئة العليا لتطوير منطقة عسير من أفكار ومشاريع، وحينها سأسأل نفسي كم حجم تغير بوصلتنا السياحية من الخارج للداخل؟ وكم حجم الذين سيأتوننا من الذين كنا نذهب إليهم؟ وكم سيضخون في شرايين اقتصادنا؟ وهل سيغير السواح الوافدون إلينا من انغلاقنا على أنفسنا؟ من حيث كوننا لا نندمج كثيراً مع الأغراب ولا نتخذ منهم أصدقاء، وإذا كان أكثر السعوديين لا يعقدون صداقات أو علاقات ممتدة مع غير السعوديين، رغم كثرة الوافدين من المقيمين الذين يعملون في المملكة في شتى المهن، فلربما أن سبب ذلك هو عدم الندية والفروقات التراتبية العملية، فالسعودي غالباً مدير وكفيل وهذا الوافد في درجة وظيفية لا يفترض أن تسمح غالباً بإقامة علاقة متساوية مع (السائق والخادمة والعامل في المصنع والمطعم والورشة والحلاقة والمزرعة والإستراحة إلخ)، وإذا كان ذلك كذلك فهل يتغير ذلك عندما يصبح السعودي هو مقدم الخدمة لهذا السائح الأجنبي وهو المرشد والدليل السياحي. الأهم في كل ما سيأتي من المشاريع السياحية الداخلية أنها ستوازن الأمور، بحيث تجعلنا نوزع رحلات استجمامنا، فبعض للداخل وبعض للخارج، وربما قليل للخارج وكثير في الوطن.

المصدر: عكاظ