عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

رحيل الأيقونة الزاهية

آراء

التقيت المعمارية العالمية زها حديد للمرة الأولى في دبي، قبل أكثر من عشر سنوات في المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وبحضوره شخصياً، كانت، رحمها الله، مدعوة يومها لوضع تصاميم دار الأوبرا في دبي، التقيناها ضمن أعضاء مجلس دبي الثقافي الذي كان يرأسه في تلك الفترة الأخ الأديب محمد المر، أتذكر يومها إشارة الشيخ محمد بن راشد حين كنا نعرّفها على أنفسنا، إذ قال لها ممازحاً هؤلاء بنات الإمارات المثقفات، ابتسمت زها بهدوء وتمتمت بإنجليزية صرفة: تشرفت بهن.

كانت سيدة شديدة الهدوء وقليلة الكلام ما لم تُسأَل، كانت تتحدث بدقة وتتصرف بثقة، فـ(زها حديد) ليست مصممة مبانٍ عادية، أو معمارية مشهورة وكفى، فالعالم يضج بكبار المهندسين والمعماريين في الشرق والغرب، لكن زها ابنة بغداد التي برزت وتفوقت على معماريي روما وفرنسا وبريطانيا، صنعت لنفسها مجداً لم يصنعه سوى أولئك الكبار الذين مجدوا أنفسهم بتلك الروائع التي مازالت شاهدة على حضارات أكثر من كونها دالَّة على أسماء ومجرد شخصيات، إنها معمارية كتبت مجدها على أراضي دول عظمى كثيرة في العالم، عبر صروح لا مثيل لها، أثارت الكثير من الانتقادات والجدل بين مدارس التصميم والمعمار بسبب أسلوبها الحداثي، حتى أسماها منتقدوها (مهندسة القرطاس) بمعنى أن تصميماتها خيالية أكثر مما يجب وغير قابلة للتنفيذ! حين نفذت أهم أعمالها في روما مدينة الفن والعمران.

وفي طوكيو مدينة التقليعات وما بعد الحداثة، وفي القاهرة عاصمة العرب التقليدية، وحين شيد البناؤون تصاميمها الانسيابية ذات السمة المستقبلية في أكثر مدن أوروبا صرامة كبرلين وسالزبورج، أيقن منتقدوها أنها ليست مهندسة قرطاس ولكنها مهندسة الانسيابية الواقعية، ومعمارية المستقبل الذاهبة للفضاء ببصيرة، والمتحررة من الجاذبية والخطوط التقليدية المتعامدة، لذلك تسابقت المدن الكبرى لتحظى بتوقيعها الكريم، متمثلاً في واحد من تصميماتها العبقرية التي لا تخطئها العين في بكين ونيويورك ولندن وموسكو وقطر وأبوظبي ودبي والرباط وطوكيو وهامبورج والرياض وعمان ووو، ما بين مسارح ومراكز ثقافية عملاقة ودور أوبرا ومحطات مترو ومساجد وجسور وغير ذلك.

رحلت زها حديد يوم الخميس آخر أيام شهر مارس في أحد مستشفيات مدينة ميامي الأميركية بعد رحلة نجاح لم تشك يوماً أنها قادرة على تحقيقه بالجهد والمثابرة، فهي ليست سليلة أسرة ثرية كما تقول، لكنها ابنة العمل الجاد والمثابرة، لقد خلدت نفسها كأيقونة معمار لن تتكرر، ونالت المجد الذي لطالما بحث عنه ابن الرافدين السومري القديم جلجامش!

وكلما عبرنا ـ هنا في الإمارات – جسر الشيخ زايد قادمين إلى أبوظبي، ستكون زها حديد حاضرة بقوة، هذا هو المعنى الحقيقي للحياة وللخلود معاً!

وداعاً زها حديد سيدة العمارة العالمية.

المصدر: صحيفة البيان