عبد الله صادق دحلان
عبد الله صادق دحلان
كاتب و رجل أعمال سعودي

رسالة الى صديقي المثقف في القطيف

آراء

منذ بداية شهر رمضان الكريم وأنا حريص كل الحرص على التواصل مع صديقي المثقف ابن القطيف، صاحب الفكر والقلم والرأي والحكمة، عرفتك ابنا بارا بأهلك ووطنك، اجتمعنا سوياً على المبادئ الأساسية واتفقنا على ألا نختلف على هذه المبادئ وإن كانت الوسائل لتحقيقها مختلفة،

دار بيننا نقاش طويل واحترمنا سويا آراءنا المختلفة أحيانا، واتفقنا على وحدة الوطن والقيادة، وتذكرنا بأننا كنا في الماضي شعوبا وقبائل متفرقة في وسط الجزيرة وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها فرضت على بعضنا الظروف الاقتصادية الهجرة خارج الأوطان بحثا عن الرزق ولقمة العيش، ومن شدة الفقر غارت بعض القبائل على الأخرى طمعاً في المال والجاه، ولم يكن حب الوطن عامل جذب للمحبة بيننا، لأن مصالحنا كانت متفرقة ومختلفة كل منا همه نفسه وعائلته وقبيلته. غلبت على عاداتنا الأنانية وحب الذات وتغليب المصلحة الخاصة على العامة.

لم يكن العالم يعرف عنا شيئا سوى معرفته لمكة المكرمة قبلة المسلمين منذ الأزل والمدينة المنورة مسجد رسولنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام. حتى نحن في مكة المكرمة كانت ظروفنا الاقتصادية صعبة وكنا نعيش على إيراد الحجاج وموسم الحج والعمرة وهو أساس اقتصاد منطقتنا، ولم تعرف شبه الجزيرة العربية آنذاك الاستقرار والأمن، عانيننا من الفقر وقلة الرزق وضعفت مقاومة الأجساد فعانينا من الأمراض والأوبئة وعاشت معظم أجزاء الجزيرة العربية في ظلام العلم والمعرفة وظلام الضوء في سواد الليل ماعدا ضوء القمر الذي يضيء شواطئنا من الخليج إلى البحر الأحمر ويضيء صحارينا جنوبا وشمالا مرورا بنجد وأطرافها.

هذا هو حالنا قبل أن يتوحد وضعنا الاقتصادي والاجتماعي، حتى أراد الله قبل إرادة ورغبة المخلوق بأن يأتي عبد من عبيد الله ليوحد هذه الجزيرة شعوبا وقبائل سنة وشيعة فكان ذلك الرجل هو المؤسس الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ الذي استطاع أن يجمع شمل القبائل والهجر والدويلات والإمارات التي ليس لبعضها من الكيان السياسي والاقتصادي سوى اسمها، فاستطاع أن يوحد أهدافنا ويحدد معالم الطريق لتكون دولة أساسها الدين الإسلامي المعتمد على كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، لا فرق بين نجدي وحجازي، ولا جنوبي وشمالي، ولا قبلي ولا حضري، ولا فرق في الحقوق والواجبات بين سني وشيعي، ولافرق في الدين بين أتباع المذاهب الأربعه فصرنا جميعا على هذا النهج ونجح أبناء المؤسس بعده من الملوك في ترسيخ هذه المبادئ، ومن الله على هذا الوطن باكتشاف البترول بعد جهد كبير بذله المؤسس لتحويل بلادنا من دولة فقيرة بلا مقومات اقتصادية إلى إحدى أكبر دول العالم المنتجة للبترول والغاز والمصدرة لهما، وأحد اللاعبين الأساسيين في رسم معالم الاقتصاد العالمي، وأحد أكبر الداعمين للفقراء في العالم، وتحولنا إلى قائمة الدول المهتمة بتعليم أبنائها تعليما عاليا ونجحنا في بناء الدولة العصرية بمختلف معالمها، وإن كنا قد أخفقنا في بعض الجوانب التنموية إلا أننا استفدنا من أخطائنا وهذا وضع طبيعي في بناء الدول.

أخي وزميلي مثقف القطيف..
دعوتك قبل أشهر لجلسة حوار غير تلك التي شاركنا فيها ضمن جلسات الحوار الوطني عن الإصلاح والتطوير وكنت فيها محاورا لبقا وخطيبا مفوها تدافع عن حقوق الإنسان أينما كان وتؤمن بوحدة الوطن والقيادة وتؤكد على عدالة التعامل مع أبناء المذاهب، دعوتك قبل أن تزداد سخونة الصيف في القطيف وترتفع رطوبة الأسد والسنبلة في جدة دعوتك لحوار العقلاء مع المثقفين وأصحاب الفكر والعلم من غير المتشددين في الرأى من القطيف وخارجه من مناطق المملكة لنقدم صورة مشرفة لولي أمرنا عن حب أبناء الوطن لبعضهم سنة وشيعة، ولقد اتفقنا على مبادئ الحوار الاجتماعي الذي لا قيود عليه لكن ظروفك وظروفي لم تحقق حلمنا.

صديقي المثقف..
قد يختلف أبناء الشيعة وأبناء السنة في بعض القضايا المذهبية لكننا لن نختلف في المبادئ الأساسية، وهي وحدة الدين الإسلامي بمختلف مذاهبه، ووحدة الوطن ووحدة القيادة.

إن الوطن ليس كلمة نتغنى بها وإنما هو دم يسير في عروقنا، كما أن بناء الأوطان ليس كهدمها. لقد قضينا مشوار ثمانين عاما في البناء فعلينا أن نعمل سويا لنكمل المسيرة.

إن الحاسدين والحاقدين من حولنا متربصون لاختلافنا مذهبيا ومناطقياً متطلعين لأن يكون مصيرنا الانهيار والفوضى وعدم الاستقرار، ومن المؤكد لن نقبل جميعنا أن نعطي لهم الفرصة وسنحارب كل من يتجرأ بذلك، لقد قطعنا ملايين الأميال نجدف سوياً وسط الأمواج العالية حتى وصلنا والحمد لله إلى اليابسة فهل يجوز لنا أن نختلف اليوم؟ ولمصلحة من؟

أخي مثقف القطيف..
قل للقطيف وأهله: أنتم أعزاء في وطنكم، وليست القطيف وحدها وطنكم؛ فكل المناطق والقرى والمدن هي وطن لكم.. فلنحافظ على أمننا ونعود للحوار، لنحافظ على المبادئ الأساسية التي اتفقنا عليها، فولي أمرنا الملك عبدالله حفظه الله رجل صالح عادل وأمين حريص على شعبه أينما كان، وولي عهده الأمير سلمان رجل حكمة ومعرفة وحسن تعامل، صديق للمثقفين والمفكرين يؤمنان بالحوار ونحن أولى بالحوار معهم حوار الأبناء مع والدهم، وعلى وجه الخصوص في شهر رمضان الكريم وهو شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار.

أخي وصديقي ابن القطيف المثقف..
إن دور العقلاء من أبناء القطيف في ظل هذه الظروف الصعبة مطلوب بل هو واجب عليهم وعلينا، فالحلم عند الغضب وتغليب المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، هي الحكمة في معالجة القضايا.

إن الوطن للجميع وإن العدالة في التعامل وحماية حقوق الإنسان هي تشريع أتت به جميع الأديان السماوية وعلى رأسها الدين الإسلامي أكثر الأديان حرصا على تطبيقه.

أخي وصديقي ابن الوطن..
دعونا نعمل سويا للمحافظة على المكتسبات التي حققناها لبناء مستقبل نتعايش فيه سوياً ولنقف سدا منيعا ضد من يفكر في إختراق أمننا ووحدتنا، واخيراً فما رأيك في تلبية دعوتي القديمة لحوار إجتماعي بين العقلاء نتجاوز به المرحلة؟

المصدر: الوطن السعودية