عائشة الجناحي
عائشة الجناحي
كاتبة إماراتية

روح جاهلية

آراء

يزداد حب وتعلق الأطفال والمراهقين لمواقع التواصل الاجتماعي، فيتم تباهي البعض بعدد المتابعين والأصدقاء الوهميين على هذه المواقع «فالجديد حبه شديد». الصديق الوهمي لا يكتفي بإلقاء التحية وإرسال المقاطع التصويرية والصور المعبرة وحسب، ولكن يقوم بطلب الصور لتكون عملية الابتزاز الإلكتروني أكثر سهولة. يبدأ أحد الأصدقاء الوهميين بصف العبارات المتناغمة على ضحيته: «الحياة لا تساوي شيئاً بدونك، لم لا تبعث لي بعضاً من صورك فلقد أصبح وجودك في حياتي وطناً».

الإنترنت سلاح ذو حدين فهو من جهة يساهم في تطوير وصقل مهارات وأفكار الأطفال والمراهقين، ويتيح لهم التواصل الفعال مع الأصدقاء الجدد في شتى أصقاع الأرض، ويعتبر مصدراً غنياً للحصول على المعلومات، وأداة تعليمية محفزة ومسلية.

ولكن لا ننسى أن الأبناء يستطيعون الولوج إلى العالم الافتراضي الواسع الذي قد يغرقون في سلبياته إذا لم يتم إعدادهم وتحصينهم من أضراره.

الشبكات الاجتماعية على الانترنت تُعَد نافذة مفتوحة للغرباء، حيث يتم استدراج المستخدمين وتهيئتهم لأغراض الاستغلال أو نشر ملفات تظهر استغلالا جنسيا واعتداء على أطفال أبرياء.

ما زلت أتذكر مخاوف بعض الأسر التي كانت تنحصر في مشاهدة الأطفال الأفلام وإمكانية عرض اللقطات الإباحية التي قد تؤثر على نموهم الطبيعي في السنوات التي مضت، والآن مع التقدم التكنولوجي أصبح بث الأفكار السلبية والصور الإباحية التي لا تنسجم مع عاداتنا وموروثاتنا الاجتماعية وقيمنا الحضارية تنشر في أغلب المواقع بضغطة زر.

أفكار مبعثرة وأوقات مسروقة في الفضاء الالكتروني، الذي كثرت فيه قصص استغلال مستخدميه، وهو تحديٍّ ليس فقط في الدولة وإنما في سائر دول العالم؛ فلقد أصبح الاستغلال والتحرش أسهل وأسرع في العالم الافتراضي لسهولة إمكانية التواصل مع الأطفال بعيداً عن الحواجز والرقابة العائلية. وكلما زاد الإبحار في هذا العالم من غير توعية الأطفال بطرق الحماية من مخاطر الانترنت زاد استقطابهم من قبل المنحرفين.

فوجئت منذ أيام عندما قرأت سلوك رجل في الثلاثين يبتز فتاة في الرابعة عشرة من عمرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليتم الاستدراج ثم التمكن من الضحية ليسبب ألماً وجرحاً نفسياً.

تعرفت هذه الفتاة على هذا الشاب الذي يكبرها بعقود من غير أن تعلم بنواياه السيئة عبر مواقع الدردشة، حيث تم تبادل البريد الالكتروني ليتم التواصل بشكل أكبر، وبعد فترة من التعارف تطورت العلاقة بينهما بتبادل الأرقام وعندما وصل بها الحال بالتعلق العاطفي كانت تنفذ كل ما يطلَب منها كإرسال صور لها بملابس فاضحة، ولم تمضِ سوى بضعة أسابيع حتى تغيرت معاملته لها وأخذ يخاطبها بصيغة الأوامر لتنفيذ رغباته الجنسية، فيتحول الحب والاهتمام إلى خوف عارم بسبب التهديد المستمر بقدرته على فضحها بما يملك من صور في حال عدم الخضوع لحاجاته، فتقع هذه الفتاة في مأزق نفسي نتيجة انزلاقها في ممارسات خاطئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تكثر مثل هذه القصص المؤلمة لترك الوالدين الحبل على الغارب بالتقصير في إشباع الفراغ العاطفي عند الأبناء.

حين يتم التقصير في إشباع حاجة الحب والحنان عند الطفل من قبل الأم أو الأب يحرَم من الأمان النفسي والإشباع العاطفي، فيلجأ للبحث عن هذه الحميمية لدى الغير بارتياد بعض المواقع كمواقع الدردشة لإشباع هذه الحاجة باكتساب الحب والأمان من قبل الأصدقاء الوهميين.

إن فهْم هذه البديهية من قبل الوالدين يجعلهما أكثر حرصاً على توطيد العلاقة بينهما وبين أطفالهما في سن مبكرة، لتكون العلاقة صحية ومزدهرة. حرص الوالدين على مصاحبة الأبناء وغمرهم بالحب يقي الأبناء من مخاطر الزمان، فصدور الوالدين خير دروع ضد الصدمات ورقية ضد الألم والحزن في رحلة الحياة.

لحماية الأطفال من مخاطر العالم الافتراضي يتوجب وضع خطة للتصفح الآمن عبر مواقع الانترنت وإرشاد الأطفال إلى كيفية الاستخدام بطرق صحيحة وآمنة وتشجيعهم على التحدث مع الوالدين عن تجاربهم في العالم الافتراضي. الطلب من الطفل بتعليم الوالدين كيفية استخدام بعض المواقع يساعد على معرفة ميول الطفل بمراقبة سلوكه. ويجدر تثبيت برامج الحماية والأمان اللازمة على جهاز الحاسب الآلي لتجنب الدعايات والمواقع الإباحية.

بعض الأطفال يتعلمون السلوكيات السلبية من الأقران لذا يتوجب تجنب الجماعات الفردية لساعات طويلة لتصفح مواقع الانترنت. فكم من الأطفال تم تركهم مع الأقران للانتهاء من بعض الأعمال المدرسية وتم تعرضهم لمحتوى غير لائق من مواد إباحية ومشاهد عنف على منصة اليوتيوب، التي تم إدراجها في قائمة أخطر المنصات الإلكترونية للأطفال.

«إنني أحبك .. إنني أهتم بك» كلمات من الأصدقاء الوهميين لكسب حب وثقة الأطفال في العالم الافتراضي، والتي قد تؤدي إلى كشف الأطفال لمعلومات خاصة يكونون في غنًى عنها، وما يزيد من حدة هذه المخاطرهو فضول الأطفال في هذه المرحلة العمرية، فلا تحدّه حدود في البحث عن إجابات لأسئلته التي لا تنتهي، والتي قد تُلقي به في الهاوية. تعزيز الخصوصية والأمان عند الأطفال تجعلهم أكثر حذراً في استخدام حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

«خلاصة القضية توجز في عبارة.. لقد لبسنا قشرة الحضارة، والروح جاهلية» – نزار قبّاني

يسأل الصديق الوهمي مرة أخرى: ما بالك لا تُّرسِل لي الصور الخاصة بك فيتم الرد: عذراً لا أريد أن أدرج مثالاً في مذكرات الأحمق.

المصدر: البيان