محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

زلزال بوشهر واهتزاز الخليج

آراء

وقع زلزال على بعد 100 كيلومتر تقريباً من مدينة بوشهر الإيرانية الواقعة على ضفاف الخليج العربي، فقُتل 40 إيرانياً وأصيب أكثر من 900 آخرين، وفي المقابل اهتزت خمس مدن خليجية. وعاش سكان تلك المدن والمجتمع ساعات رعب حقيقي بسبب وجود المفاعل النووي الإيراني في تلك المدينة. وحتى هذه الساعة من غير الواضح للعالم مدى تأثر المفاعل بتلك الهزة التي بلغت قوتها 6٫2 درجة على مقياس ريختر، على الرغم من التطمينات الرسمية الإيرانية.

وبعد تقديم تعازي الشعب الخليجي للشعب الإيراني في سقوط الضحايا والمصابين، فإن هذا الزلزال يعيد الجدل القديم المتجدد حول خطورة وجود المفاعل النووي الإيراني على ضفاف الخليج، فإذا كان سكان مدن الخليج قد شعروا بهذه الهزة وهم داخل بيوتهم، فما بالنا بتسرب نووي يحرق الأخضر واليابس؟

إن القلق الخليجي والعالمي من هذا المفاعل النووي، هو قلق حقيقي، وهو قلق مبرر في الوقت نفسه. وما تطلبه الدول العربية المطلة على الخليج ليس بالأمر الغريب، فرغبتها في التأكد من إجراءات الأمن والسلامة في ذلك المفاعل، أمر لا يمكن تجاهله، خصوصاً أنه يقع على مرمى حجر من بعض العواصم والمدن الخليجية.

مواقف إيران والدول الكبرى (5+1) بشأن البرنامج النووي الإيراني، لا تزال متباعدة والمفاوضات متعثرة، فإيران تؤكد أن برنامجها النووي سلمي، وأنها لا تحتاج إلى سلاح نووي، في حين أن الدول الغربية ومعها إسرائيل، تُبدي مخاوف متزايدة من سعي طهران للحصول على أسلحة نووية.

وهذا الجدل مضت عليه سنوات طويلة، والمشهد في هذا الموضوع يمكن اختصاره فيما يلي: دولة تتقدم في برنامجها النووي، وتقترب من الانتهاء من مشروعها الذي عملت عليه سنوات طويلة.. وفي المقابل دول كبرى ومجتمع دولي يحوم حول نفسه غير قادر على الوصول إلى نهاية في ملف مهم لا يمس المنطقة فقط بل العالم بأسره…

وهذا المشهد يبدو غريباً، خصوصاً أن العالم بأسره رأى كيف أن كارثة مفاعل فوكوشيما، أثبتت أن بلداً متقدماً في إجراءات السلامة، مثل اليابان، لم يكن نداً لزلزال، وهذا ما يجعل من بناء مفاعل “بوشهر” على خط زلزالي أمراً مقلقاً للعالم، وكيف لا يكون كذلك ومفاعل “بوشهر” يقع في منطقة زلزالية نشطة، تتقابل فيها ثلاث صفائح قارية هي العربية والأفريقية والأوروآسيوية.

الخطوة الطبيعية من قبل إيران فيما يتعلق بمفاعل “بوشهر” بعد هذا الزلزال، أن تقوم بتفكيكه ونقله إلى منطقة أخرى أكثر أمناً إذا ما كانت مصرة على برنامجها النووي – حتى لا تضع مواطنيها وسكان المنطقة أمام سيناريوهات خطيرة وكارثية.

فقد كان خبراء روس قدّروا في وقت سابق أن أي انفجار يحدث في مفاعل “بوشهر”، سيؤدي إلى موت مليون إيراني على الأقل، وإصابة مئات الآلاف بإشعاع قاتل في الدول العربية، التي تطل على الخليج الذي يمر فيه خمس إمدادات النفط بالعالم.

الجهود الدولية المعنية ببرنامج إيران النووي تتواصل من خلال الدبلوماسية التي تتركز على دفع طهران للامتثال إلى الاتفاقيات الموضوعة للتأكد من أن الأعمال النووية السلمية ليست غطاء لتطوير سلاح نووي.

والتحدي الحقيقي في هذا الأمر يكمن في أن معرفة ما يجري في إيران صعب ليس فقط بسبب العراقيل التي يضعها النظام الإيراني، ولكن أيضًا لأن التكنولوجيات ذاتها – خاصة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك – يمكن أن تستخدم في الأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء.

وفضلاً عن كل التخوفات الإقليمية والدولية من ناحية إجراءات السلامة أو من ناحية سلمية البرنامج النووي الإيراني، فإن خطورة مفاعل “بوشهر” النووي تكمن في أنه يمثل تهديداً للبيئة خاصة بعد الأنباء، التي ترددت في الأشهر الماضية عن خلل فني، أدى إلى وقف تشغيله لفترة محدودة، وكان لهذا الخبر أثر سلبي ومقلق من خطورة هذا المفاعل وما قد يترتب على تشغيله من أضرار بيئية. وهذا ما يجعل جارات إيران العربية تدعو بشكل مستمر إيران إلى الالتزام بالشفافية التامة حيال هذا الموضوع، والانضمام الفوري إلى اتفاقية السلامة النووية، وتطبيق أعلى معايير السلامة في منشآتها.

دول الخليج مطالبة من قبل مواطنيها وسكانها بأن يكون لها دور وموقف في هذا الملف، فسلامة سكان هذه الدول والحفاظ على مكتسباتها ومنجزاتها، فضلاً عن حماية البيئة فيها، أمور لا مساومة عليها.. خصوصاً أن المفاعل تم إنشاؤه في موقع نشط زلزالي، وبالتالي فإن احتمالات الخطر فيه عالية جداً، لا سيما من حدوث تسرب إشعاعات نووية في حال تضرره بسبب أي كارثة طبيعية أو بشرية.

ولا يزال السؤال يُطرح: كيف تستطيع طهران أن تطمئن جاراتها ودول العالم بأنه لا خطر من هذا المفاعل النووي، وأن كل إجراءات السلامة متخذة بشكل لا يجعل هناك مبرراً للقلق؟

فكل ما تفعله طهران، هو التطمينات الشفوية، وهذه وإنْ كانت جيدة إلا أنها غير كافية، خصوصاً إذا علمنا أن الإشعاعات في حال تسربها من المفاعل الإيراني، لا تحتاج إلا إلى ساعة واحدة فقط لتصل إلى أغلب المدن الخليجية.

المصدر: جريدة الاتحاد