سكينة المشيخص
سكينة المشيخص
كاتبة وإعلامية

«سبام» لمشرّدي المواقع الاجتماعية

آراء

مواقع التواصل الاجتماعية وفي مقدمتها “تويتر” لم تنجح للأسف في أن تكون وسيطا تنويريا وتفاعليا فيما يتعلق بالحراك الإنساني، لقد انحرفت بوظيفتها التفاعلية الى مسارات لها ارتكازات سلبية لم تخرج في مجتمعاتنا عن سياق سواليف المجالس وجلسات الغيبة والنميمة وتتبع عورات الناس وفضحها، ومقابل كل ما هو جميل أصبح يحضر كل ما هو ذميم.

بدلا من الروح الوطنية تصاعدت النعرة العصبية، وحل محل التعايش الفتنة والفرقة، والطائفية محل التمازج، والستر محل الفضح، والتطرف محل التوازن، وهكذا هي سلسلة متداعية من المترادفات والمتلازمات التي تجعلنا نعيش واقعا لا يبشر بخير ولا يمكن أن يؤدي الى نمو معرفي يرتقي فيه المجتمع بفكره ولغته وأخلاقه وآدابه.

هناك فجوة كبيرة في استيعاب دلالات التقنية وتوظيفها بما يتفق مع إيجابياتها ومهامها الأساسية، والدليل على ذلك أن تنظيمات متطرفة استطاعت تدمير الفكرة المنهجية للتفاعل الاجتماعي في موقع مهم مثل “تويتر” وذلك ما أثبتته الوقائع أخيرا بنجاح ناشطين وإعلاميين في إغلاق 300 حساب تروج لفكر تنظيم داعش الإرهابي، وتستهدف أمن واستقرار المملكة، من خلال تنظيم حملة تحت وسم “سبام وطنية”.

لم يكن للتنظيم أن يتمدد في الوسط الاجتماعي لولا سوء استخدام هذا الموقع، وكان يفترض أن يمنح الحراك التفاعلي فيه جرعات معرفية تمثل طاقة فكرية لصد محاولات الاختراق، ولكن حدث العكس بالسماح لأعضاء التنظيم المفترضين باختراق العقول وسحبها من العالم الافتراضي الى الواقع الأسوأ، فأصبحوا بذلك يدخلون “تويتر” بدافع معرفي أو فضولي لاستكشافه ويخرجون منه إرهابيين ومتطرفين يمكنهم قتل وذبح أقاربهم ببساطة ودم بارد.

بغض النظر عن الاستعار في التماس عيوب الآخرين ورصد زلاتهم، رغم أن ذلك يؤسس لعقليات فارغة ونفوس مريضة، إلا أن ما يتعلق بالإساءة الى الروح الوطنية ونشر الطائفية وتعزيز الفكر المتطرف هو الأكثر خطورة، لأن ذلك يمزج بين النفسي والعقلي السيئ، ففي الحالات المتربصة بالآخرين فإنها نفسية، ولكن أن تكون النفس والعقل بهذا الانهيار فتلك هي المشكلة التي تجعل “تويتر” وغيره من المواقع الاجتماعية خطرا حقيقيا.

أداء الناشطين في إغلاق الحسابات جهد متميز يستحق الإشادة، لأن المجتمع لا بد أن يقاوم مثل تلك الحسابات التي تستهدف أمنه واستقراره، وذلك عمل مضاف الى الأجهزة الأمنية المعنية بأمن المعلوماتية، إذ لا يمكن السماح بانتشار الطفح الذي تمارسه مثل تلك الحسابات الكارثية، فلا نزال بخير طالما أن الوعي كاف لهزيمة الشر الكامن في فكر ونفوس أولئك المشردين في فضاء المواقع الاجتماعية.

المصدر: صحيفة اليوم السعودية