سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

سجين بسبب فاتورة!

آراء

مبادرة «ياك العون» التي أطلقتها «الإمارات اليوم»، ودائرة المحاكم في دبي، ودائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بهدف الإفراج عن 107 سجناء من المُعسرين الذين أرهقتهم الالتزامات المالية، تحتاج إلى قراءات وتحليل، وتحتاج إلى دراسات تفصيلية من جهات مختصة على هؤلاء المُعسرين، لأن كل حالة من الحالات تقف وراءها قصة إنسانية، أو اجتماعية أو اقتصادية، وتالياً، فهم لا يمثلون أنفسهم بقدر ما يمثلون حالات مجتمعية مُعرّضة بين ليلة وضحاها لأن تقبع خلف القضبان!

لم تهتم أي جهة إلى الآن بطلب الحصول على معلومات عن هذه الحالات، خصوصاً أنها مجموعة من المواطنين والمواطنات، من أعمار مختلفة، فتحليل ودراسة هذه المعلومات قد تؤدي إلى تفهّم جذور مشكلات اجتماعية يمكن وضع حلول دائمة لها، بدلاً من الاعتماد على مبادرات فردية من جهات مختلفة، هذه المبادرات لاشك في كونها جيدة ومفيدة، وتدعم العمل الخيري والإنساني والمجتمعي، إلا أنها لن تحلّ أساس هذه المشكلات، ولن تضع حلولاً للحد من ظواهر اجتماعية موجودة في المجتمع، تسببت في الزج ببعض أبنائه وبناته في زنزانة السجن!

المواطن (سالم م.ج)، الموجود اسمه في كشف الحالات التي تستدعي المساعدة، لفت الأنظار بسبب ضآلة مبلغ دينه، حيث يشير الرقم إلى 1814 درهماً فقط لا غير، اتضح أنه فاتورة مستحقة لإحدى المؤسسات، وهذا يقودنا إلى كثير من الأسئلة، أولها هو حجم المال العام الذي أهدرته هذه الجهة من خلال إصرارها على رفع دعوى قضائية على هذا المواطن للمطالبة بهذا الرقم الزهيد جداً مقارنة بدخلها وأرباحها، ومقارنة بأي معيار منطقي في الدنيا؟! وهل يستدعي الأمر تحويله للقضاء وتضييع وقت الشرطة والنيابة والقضاة، ثم تحويل المُشتكى ضدّه للسجن وإبقاءه محجوزاً بسبب هذا المبلغ، إن كانت الجهة الشاكية حريصة على تحصيل فواتيرها، وهذا حق مشروع لها، فمن يضمن تحصيل المال العام المهدر مقابل هذا المبلغ الزهيد؟!

مثل هذه الحالة، ألا تستدعي الدراسة، ألا تستدعي استصدار قانون معيّن يضع حداً أدنى للمطالبات المالية من قبل الجهات والمؤسسات والشركات الكبيرة، أو يحمّلها على الأقل جميع التكاليف غير المنظورة في مقابل تحصيل هذه المبالغ غير الضرورية!

مواطن آخر، كان مسؤولاً كبيراً في جهة رسمية، يتقاضى راتباً جيداً، أُحيل إلى التقاعد فجأة، وأصبح يتقاضى أقل من نصف راتبه، وبالتأكيد أحدث هذا الرقم صدمة في حياته، خصوصاً أنه يعيل أسرة من أبناء وأحفاد يتجاوز عددهم 10 أشخاص، ما يعني أنه شهرياً يقترض أكثر من راتبه التقاعدي الذي ينتهي في العشر الأوائل من كل شهر!

هذا المواطن دخل السجن سريعاً بعد أن رفع البنك قضية عليه لعجزه عن دفع مستحقات القرض، بعد أن تضاعفت الديون على كاهله، ألا تستدعي حالته الدراسة؟ ألا يعني ذلك أن مئات الموظفين المقبلين على التقاعد سيعانون ظروفاً قد لا تكون أفضل بكثير من حالة هذا المواطن!

المصدر: الإمارات اليوم