سيدة النانو

آراء

هي الدكتورة غادة بنت مطلق المطيري، مديرة مركز طب وأبحاث النانو في جامعة كاليفورنيا، كانت قد أنهت دراستها الثانوية في المملكة، ثم رحلت إلى أمريكا وحصلت على البكالوريوس بتفوق في الكيمياء من جامعة أوكسيدينتال في لوس أنجلوس، وأكملت رسالة الماجستير في الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا، ونظير النشاط الذي تميزت به غادة المطيري حصلت على منحة الدكتوراه من ولاية كاليفورنيا في الهندسة الكيميائية.

ولأنها أدركت أهمية البحث العلمي في وقت مبكر من مسيرتها الدراسية وأنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق أحلامها، فقد اتخذت قرارا مفصليا في مسيرتها وربما في مصير الطب والإنسانية وهو البقاء في بلاد العم سام واختيار أفضل العروض لمتابعة الأبحاث والتدريس في جامعة كاليفورنيا العريقة بعد أن حصلت على ترحيب ودعم عائلتها.

وفي هذا المناخ، تابعت غادة المطيري أبحاثها وقدمت عشرة أبحاث مهمة للغاية وفي فترة زمنية قصيرة، ثم عكفت على تأليف كتاب مهم باسم (التقنية الدقيقة) ترجم للألمانية واليابانية، لتحصل بعدها على دعم آخر من ولاية كاليفورنيا بمبلغ مليون دولار مكنها من الحصول على معمل خاص لمشاريعها الطبية الجديدة.

وإذا كان من المستحيل علي، وأنا المتابع لسيرتها المبهرة منذ أعوام، إيجاز ما تحاول القيام به للوصول إلى تطبيقات جديدة لتقدم الطب والجراحة، فإن الإشادة بأحد اختراعاتها التي جاءت على لسان رئيس الهيئة الصحية في أمريكا أمام الكونجرس قد تفي بالغرض، حيث أشار إلى أن إنجازها يعد من أهم أربعة إنجازات في أمريكا في ذلك العام (2014).

ذاع صيتها وتوالت أبحاثها ونالت الاهتمام البالغ في الأوساط العلمية، ليحصد بحثها الجديد الجائزة الأولى بين عشرة آلاف بحث في الولايات المتحدة الأمريكية من أعلى منظمة للبحث العلمي HAM، لتحصل على جائزة نقدية بقيمة ثلاثة ملايين دولار، مكنتها من توسيع نشاطها البحثي واستقطاب المزيد من الطلاب والباحثين للعمل معها، لقد فرضت نفسها ونقشت اسمها على لائحة المخترعين في أمريكا في فترة وجيزة، كما أن محاولاتها المستمرة لاكتشاف تطبيقات جديدة بخصائص غير موجودة في الطبيعة متعددة ومبهرة تقوم بها جميعا وفي آن واحد، لعل أهمها اكتشاف معدن جديد يمكن الضوء من النفاذ لخلايا الجسم وأنسجته ليقوم بدقة متناهية باستئصال الخلايا (غير المرغوبة) دون إلحاق الضرر بالأنسجة الحية بدلا من مبضع الجراح، قد تفتح آفاقا واسعة لعلاج أمراض السرطان وهي تقنية متاحة وغير مكلفة.

لعل البعض منا يتساءل كيف يفقد عالمنا العربي وبهذه السهولة هذه العقول المهاجرة، وماذا كان حال هذه السيدة النابغة لو عادت بعد شهادة الدكتوراه إلى موطنها؟ المرأة التي تبدو غير موجودة، أو تحتل مكانة ثانوية في دول العالم الثالث، تستطيع أن تجد مكانا لها في مجتمع علمي لا يعير اهتماما للونها وجنسها أو ديانتها، تلك هي الحقيقة ويستطيع المرء أن يلمس ذلك حين يميز بين الغرب سياسة وحكومات وبين المجتمع المدني الذي يمارس العدل والمواساة ويؤمن بالإنجاز العلمي.

وإذا كانت قيمة الإنسان الحقيقية هي في مقدار ما يقدمه من إنجازات واختراعات للبشرية، فإن رحلة الدكتورة غادة المطيري الطويلة والتي كرستها للبحث العلمي تضعها في الطريق الصحيح لتحقيق إنجاز وشيك، وإني على قناعة لا تقبل الشك أن اسمها وفي الأعوام القليلة القادمة سيكون على لائحة مرشحي جائزة نوبل، وستحصل عليها لا محالة إن هي اقتربت من اختراق نوعي في طريقة علاج الطب الحديث للعديد من الأمراض المستعصية.

المصدر: صحيفة مكة