سيول تبوك والحقيقة الغائبة

آراء

على الرغم من التصريحات العديدة لبعض الجهات الحكومية المعنية حول الأحداث الأخيرة لسيول تبوك، إلا أنها لم توضح الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ما حدث بالتحديد!، ويبدو أن السبب يعود إما إلى الخوف من تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، ومن ثم الهروب من المساءلة والمحاسبة، أو أنه بالفعل ما زالت الأسباب غير معلومة.

فالمتابع لأحداث السيول والتي بثتها الوسائل الإعلامية المختلفة، قد يتساءل عندما يشاهد انهيارات الطرق وغرق الأحياء السكنية هل السبب يتمثل في الضعف الفني والهندسي للمشاريع والبنية التحتية؟ أم أن السبب هو عدم اكتمال مشاريع شبكات المياه والصرف الصحي وبالتالي أدت إلى طفح المياه وساهمت في تأثير شدة السيول؟، وأخيراً ماذا عن مشاريع تصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول..هل هي موجودة ولم تكتمل بعد أم أنها متعثرة أو بها أخطاء فنية والسيول أظهرت سوء التنفيذ؟.

الإجابة على الأسئلة السابقة قد نجدها في تصريح أمانة منطقة تبوك الأخير والذي أشارت فيه بشكل مقتضب إلى وجود إشكالات تتعلق بمشاريع تصريف مياه الأمطار بالتحديد، هذه الإشكالات ألخصها في النقاط التالية:

• انتهت الأمانة من دراسة شاملة لدرء أخطار السيول وتصريف مياه الأمطار، وذلك قبل سنتين بتكلفة ثلاثة مليارات ريال، وتم الاتفاق مع وزارة المالية لاعتماد هذه المبالغ خلال خطتين خمسية، وبمتوسط اعتماد سنوي يبلغ 300 مليون ريال سنوياً.

• تم إعطاء الأولوية للمشاريع المهمة لفتح 92 كيلومترا للأودية الثلاثة أبو نشيفة والبقار وضبعان، والعمل لا يزال جاريا لترسية المشاريع المعتمدة لهذا العام.

• لا يزال العمل جاريا حتى يتم اكتمال كافة مشاريع درء أخطار السيول وصرف مياه الأمطار في منطقة تبوك.

• كشفت الأمانة أنها ستعمل على إزالة المساكن العشوائية التي أقيمت في وادي ضبعان، وذلك بعد تأمين المساكن البديلة لساكنيها.

مما سبق نستنتج من تصريح الأمانة، وجود مبان سكنية مأهولة ومزارع تعترض مسارات الأودية، وهي عبارة عن تعديات، ولكن هل هذه المباني قد وصلت إليها خدمات الكهرباء وسفلتة الشوارع والإنارة؟، وهل لدى ساكنيها صكوك ملكية؟..إذا كانت الإجابة بنعم .. فهذه المباني ليست عشوائية ولا توجد تعديات .. والسؤال الأهم من المسؤول عن بناء هذه المخططات السكنية في مجاري الأودية؟.

أما بخصوص عدم استكمال مشاريع تصريف مياه الأمطار والتي تم اعتمادها بناءً على دراسة درء أخطار السيول، فالأمانة هنا تشير بشكل غير مباشر وضمني إلى وجود إجراءات بيروقراطية تتعلق بالاعتمادات المالية التي تمت على مراحل وكذلك إجراءات ترسية المنافسات، ولكن السؤال الذي أطرحه بهذا الخصوص: ماذا عن أداء تنفيذ الشركات المتعاقد معها من قبل الأمانة لمشاريع تصريف مياه الأمطار المنفذة حالياً في تبوك؟ وماذا عن كفاية الجهاز الإشرافي على هذه المشاريع؟ وماذا عن متابعة توصيات دراسة مخاطر السيول؟، وماذا عن صيانة شبكات التصريف القائمة حالياً؟.

الأسئلة السابقة في اعتقادي قد تمثل أحد الأسباب الجوهرية لما حدث من آثار سلبية جرّاء حادثة السيول في تبوك، فربما تكون هناك أخطاء فنية وهندسية ارتكبها المقاولون عند تنفيذ مشاريع تصريف السيول، أو ربما هناك عدم مطابقة لأوامر العمل وجداول الكميات، بالإضافة إلى احتمال تدني جودة المواد المستخدمة في الردم وعدم الالتزام بالمواصفات المتعاقد عليها لأعماق وأساليب الحفر، أو يحتمل أن يكون هناك تعثر أو تدن في نسب الإنجاز أو توقف نهائي عن تنفيذ عدد من المشاريع لأسباب قد تكون من المقاول أو من قبل الأمانة.

أما بالنسبة للإشراف، فيحتمل أن الأمانة تعاني من عدم كفاية الإشراف وبالتالي ضعف الرقابة ومتابعة تنفيذ تلك المشاريع، فربما هناك نقص في التخصصات الهندسية المطلوبة لمشاريع تصريف الأمطار، أو وجود خلل في أنظمة الرقابة الداخلية تتمثل في ضعف الإدارة ونظم الاتصالات والمعلومات الخاصة بتقارير الإشراف، أو عدم بذل العناية المهنية اللازمة من قبل المكاتب الاستشارية المشرفة إن وجدت اتفاقيات معها بهذا الخصوص.

وبخصوص مشروع دراسة درء أخطار السيول بتبوك، فيفترض أنه قد نتج عن هذه الدراسة وجود العديد من المخاطر في الأحياء والمخططات السكنية في المدينة، وعلى ضوء ذلك هل قامت الأمانة بمخاطبة الإدارات والجهات ذات العلاقة بتوصيات الدراسة والتي تتمثل في إزالة التعديات على سبيل المثال، وتعديل المخططات واقتراح المشاريع المستقبلية وما إلى ذلك، ونظراً لأهمية التوصيات التي تضمنتها الدراسة السابقة، فهل توجد تقارير دورية لمتابعتها؟.

أما فيما يتعلق بصيانة شبكات التصريف القائمة، فهل تم تحديد مسؤولية الصيانة بين الأمانة وفرع وزارة المياه في المدينة، أم ترك الأمر للإجراءات البيروقراطية وظلت هذه الشبكات من دون صيانة لعدم تحديد المسؤولية؟، فمن المعلوم أن الصيانة والتشغيل لمشاريع تصريف الأمطار تمثل ركناً أساسياً في مثل تلك المشاريع، وأية تأخر أو خلل فيها، فإن ذلك يشكل خطراً على السكان، فضلاً عن عدم الاستفادة من مشاريع تصريف السيول وعدم تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله.

الافتراضات السابقة هي مجرد احتمالات ومحاولة لفهم ما جرى في تبوك وما قد يجري في مناطق أخرى، وكان من المهم أن تتطرق الأمانة إلى مثل هذه الموضوعات في تصريحاتها الإعلامية، فالشفافية تمثل إحدى أهم أدوات الكشف عن الفساد والحد منه، وتتطلب الشفافية وجود شراكة حقيقية بين الجهات الحكومية والمؤسسات الإعلامية والمواطنين من أجل إنضاج الرأي العام، فهناك فرق في أن تطرح مثل قضايا السيول طرحاً علمياً ومنهجياً بهدف إيجاد الحلول الحقيقية من خلال معرفة الأسباب التي تقف وراء ذلك، أو أن يكون الهدف من الطرح مجرد الدفاع عن النفس والهروب من المساءلة وتهدئة غضب المجتمع واستخدام أسلوب الإدارة بالأزمات.

المصدر: الوطن أون لاين