علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

«شبح الريم» والأشباح الأخرى

آراء

إذا كان «شبح الريم» قد فشل في زعزعة أمن واستقرار هذا البلد، واستطاعت أجهزته الأمنية، بما تتمتع به من كفاءة عالية وحرفية، كشف غموض الجريمة التي اختار من خطط لها وارتكبها يوماً من أعز وأغلى الأيام لدى أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها، وهو اليوم الوطني، الذي تؤكد دولة الإمارات فيه دائماً أنها واحة للأمن والأمان، فإن ثمة من يريد تحويل هذا الفشل إلى نجاح من نوع آخر.

وهو إثارة الفتنة في هذا البلد، ووصف الآراء التي كتبها بعض الزملاء الكتاب حول ارتداء المجرمة للنقاب والتستر تحته، بأنها حرب على لبس زوجات وبنات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا، وعلى الاحتشام والفضيلة، وتسميم المجتمع بهذه الأفكار، وفقاً للرسائل المتداولة عبر «الواتس أب» ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تحاول تصوير الأمر وكأنه حرب على الإسلام.

لسنا ضد الاحتشام والفضيلة، ولسنا ضد ارتداء النقاب، طالما لم يصدر منه ضرر على المجتمع وأمنه، وعلى استقرار المقيمين على أرضه، وطالما لم يتم استغلاله في التخفي لارتكاب أعمال إرهابية أو إجرامية، لكن الواقع يقول.

من خلال ملفات الأجهزة الأمنية والشرطية في الدولة، إن هذا الزي المُختلَف عليه قد استُغل فعلاً في ارتكاب جرائم ومخالفات أمنية، والتسلل إلى صفوف النساء أنفسهن في المساجد من قبل رجال تخفوا به، وفي شهر رمضان المبارك على وجه الخصوص، وقاموا بخدش حياء النساء في أماكن العبادة، الأمر الذي يدعو إلى فرض ضوابط تصون أمن المجتمع.

خاصة في المجمعات التجارية والأماكن العامة، وتصون النساء أنفسهن من المستغلين لهذا الزي. أما الرأي الفقهي في ارتداء النقاب فنتركه للعلماء الذين أوضحوا رأيهم عبر فتاوى وكتب معروفة، حيث رأى أغلبهم أنه عادة وليس عبادة، وهي مسألة ليس هذا مجال الخوض فيها، لأنها أشبعت بحثاً ونقاشاً.

إن الحرب الحقيقية على الإسلام هي هذه الحرب التي يتم فيها استغلال زي مرتبط بالمعتقد الديني، في تنفيذ أعمال إرهابية تسيء للإسلام والمسلمين وتشوه صورتهم، مثل هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت على أرض الإمارات، وعلى الذين يكابرون أن يعرفوا كيف ربط الإعلام الغربي بين جريمة «شبح الريم» التي ارتكبتها امرأة ترتدي نقاباً وقفازات.

وبين مشاركة دولة الإمارات في التحالف الدولي ضد داعش، وكيف وصفوا مرتكبة الجريمة بأنها داعشية، فأي الفريقين أكثر ضرراً على الإسلام والمسلمين، الذين يطالبون بوضع ضوابط، أم الذين يتهمونهم بمحاربة لبس زوجات وبنات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا، كما يدّعون؟

نترك هذا لتقدير أجهزة الدولة التي لديها كل التفاصيل، والتي تعرف كيف تتعامل معها، مثلما تعاملت مع التنظيمات السرية والخلايا الإرهابية التي كانت تستهدف أمن البلد واستقراره، وسلامه الاجتماعي.

ولأن في جريمة «شبح الريم» الكثير من الدروس والعبر، فإن ثمة دوراً غائباً، بل سلبياً ظهر لرجال الحراسة الذين شاهدناهم في مقاطع الفيديو التي نشرتها شرطة أبوظبي، إلى الدرجة التي جعلتنا نشعر بأنهم مجرد ديكور لاستكمال الصورة لا أكثر.

فرجال حراسة «بوتيك مول» الذين شاهدناهم في مقاطع الفيديو التي صورتها كاميرات المراقبة، كانوا أكثر تعاوناً مع المجرمة من الضحية، يرشدونها قبل ارتكاب جريمتها إلى المداخل والمخارج، ويتخلون عن مساعدة الضحية التي كانت دماؤها تنزف، وفقاً لشاهدة العيان التي نشر شهادتها موقع 24 يوم الخميس الماضي.

فقد أكدت الممرضة السابقة «باولا» التي حاولت إسعاف الضحية بعد طعنها، أن مسؤولي الأمن في «بوتيك مول» لم يفعلوا شيئاً، وأنها بدأت تصرخ فيهم لكي ينادوا المسؤول عنهم لإنقاذها، وقالت إن الحراس بدوا غير مخولين، وغير مدربين على المواقف الطارئة، وهو ما أكدته كاميرات المراقبة التي شاهدنا من خلالها أحد الحراس .

وهو يتجاهل حركة الارتباك التي حدثت أمام المصعد عندما كانت الجانية تحاول الهرب بعد تنفيذها للجريمة، ويدير ظهره للمشهد كله، الأمر الذي يستدعي محاسبة طاقم الحراسة، وإعادة النظر في كل أطقم الحراسة التي نشاهدها في المراكز التجارية، كيلا يتحول الحراس إلى أشباح عندما يتطلب الأمر تدخلهم، بل قبل أن يتطلب الأمر ذلك.

ويبقى سؤال حول وجود كاميرات مراقبة في مواقف السيارات، فقد اختفت الجانية من المشهد، في الفيديو الذي نشرته شرطة أبوظبي قبل إلقاء القبض عليها، بمجرد خروجها من الباب السفلي للمركز متجهة إلى سيارتها، وهي جزئية مهمة، لأن تحديد السيارة التي استخدمتها الجانية مهم في التعرف إليها.

فهل كانت هناك كاميرات في مواقف «بوتيك مول» السفلية، لم تضمن شرطة أبوظبي الفيديو الذي نشرته مقاطع منها، أم أنه لم تكن هناك كاميرات؟ تجيب عن هذا السؤال شرطة أبوظبي التي أثبتت كفاءتها ومقدرتها على التعامل مع مثل هذه المواقف، والتي في يدها خيوط القضية كلها.

«واحة الأمن والأمان» هي السمة التي تفاخر بها دولة الإمارات العربية المتحدة، ونفاخر بها جميعاً، مواطنين ومقيمين على أرضها، والحفاظ على هذه الواحة مسؤوليتنا جميعاً، فلن نسمح لكائن من كان أن يشوه الصورة الجميلة التي تعب في رسمها الآباء المؤسسون، ويحافظ عليها الآن الأبناء المخلصون.

ومثلما استطاعت الأجهزة الأمنية في الدولة أن تضرب بيد من حديد كل من حاول زعزعة أمن هذا البلد واستقراره، فهي قادرة على كف أيدي كل من يحاول إثارة الفتنة فيه، كي تبقى دولة الإمارات واحة للأمن والحب والسلام.

المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-12-08-1.2261497