شراء القلق من سوق الأوهام

آراء

تفترض الدعاية القطرية أن حادثاً عرضياً سيقع في محطة براكة للطاقة النووية الإماراتية، وينجم عنه غبار مواد مشعة، يصل إلى الدوحة بين 5 إلى 13 ساعة، كما تفترض أن أي تسرب إشعاعي سيكون مدمراً للمياه في المنطقة التي تعتمد على إمدادات مياه التحلية.

«حادث عرضي» و«تسرب إشعاعي» تخترعهما دعاية قطر عن محطة نووية قيد الإنشاء، في إطار مشروع الإمارات السلمي لاستخدام الطاقة النووية. ثم تتقدم بشكوى، بهذا المضمون المثير للسخرية والشفقة، إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الدول التي تمتلك الحد الأدنى من تقدير ذاتها لا يمكن أن تلجأ إلى مثل هذا التزييف المكشوف، للتعبير عن غيظها وحقدها على المشروع الإماراتي التنموي والتنويري، الناهض باحترام في الإقليم والعالم، وهو قطعاً مشروع مضاد للتطرف والإرهاب واليأس.

«براكة» لم تشغل رسمياً، ونتوقع ذلك العام المقبل، وذلك قبل الحديث عن خرافة قطر نفسها، أما مفاعلات «أراك» و«بوشهر» و«قم» و«أصفهان»، وغيرها من المحطات النووية الإيرانية التي تستخدم تكنولوجيا قديمة، فهي لا تحتمل حوادث عرضية، ولا تسرباً إشعاعياً، وذلك ليكون كذب الدعاية القطرية بائساً ومغرضاً وعديم حيلة، خصوصاً أنهم يعرفون أن الإمارات استقبلت عشر بعثات دولية متخصصة في السلامة النووية، وبنت مشروعها على تقنية الجيل الثالث، وفي أعلى المعايير العلمية الدولية لسلامة النشاط النووي. وقبل ذلك، فإن أبوظبي تستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».

ومما يزيد من رداءة الدعاية القطرية أنها تجاوبت سريعاً في هذا الصدد مع جنرال إيراني، تحدث عن أهمية سلامة الخليج من النشاطات النووية. والأرجح أن القلق في الدوحة وطهران ليس من المشروع النووي الإماراتي، فهما تعرفان أنه سلمي، ولا يشكل تهديداً لأحد. القلق يكمن في شعور إيران وقطر، بنهوض الإمارات في الإقليم، على نحو يخالف سياستي البلدين في دعم الإرهاب، وتغذية المشاعر المذهبية، والتدخل في شؤون الشعوب ومصائرها.

القلق من الازدهار الإماراتي الذي يشيد أربع محطات نووية، ولديه برنامج للفضاء، ويصنع أبناؤه الأقمار الصناعية، ويتقدمون في الابتكار وإلهام أشقائهم العرب. الإمارات التي أثبت التاريخ الراهن صواب سياستها وبعد نظرها في شأن «الربيع العربي»، وقد جاءنا بالتطرف والدم والدمار، ومع الأسف، لا تزال مظاهره الظلامية تنتشر في دول لا تعرف معنى أن يكون للإنسان الحق في العيش بأمن وسلام.

تذمر إيراني، ثم شكوى قطرية، بناء على افتراضات، إن لم نقل أوهاماً. وكأن الأمر يشبه ملف الرشى لاستضافة كأس العالم، أو موت آلاف العمال في مشروعات المونديال، دون إبلاغ ذويهم بأسباب الوفاة، وبعد إلحاح المنظمات الدولية تعترف الدوحة بأنهم جميعاً ماتوا بـ«نوبات قلبية». أو كأن الأمر يشبه برنامج إيران النووي، وأطماعه، وانكشافه، وإلحاح طهران على منحه أولوية مطلقة، انعكست انهياراً في العملة والاقتصاد.

كل ما في الأمر أننا نستعد للمستقبل بطاقة نظيفة، وسمعتنا في الدفاع عن بيئة الكوكب لا تحتاج إلى إعادة وشرح، وَمَن أراد أن يشتري له قلقاً فعليه أن يسارع إلى سوق الأوهام.

المصدر: الاتحاد