الهتلان بوست
الهتلان بوست
تنطلق الهتلان بوست بعد نقاشات مطولة مع أصدقاء كثر حول “هوية” و “توجه” المشروع الجديد. تراوحت الفكرة – في البداية – بين “الموقع الشخصي” و “الموقع الإخباري”. و لأننا – خصوصاً في العالم العربي – ما زلنا في جدال مكثف حول مفهوم الإعلام الجديد و صراع التقليدي مع الرقمي، فما زالت الحيرة سيدة المشهد. نحن جزء من هذا المشهد. لكننا رأينا أخيراً أن نزاوج بين “الشخصي” و “الإخباري التحليلي”. فالمساهمون بمواد المحتوى في “الهتلان بوست” كثرهم من نجوم الإعلام الجديد و من الأصوات المهمة في المشهد العربي الجديد. هذا المنبر سيكون بمثابة منبر إعلامي – فكري لهؤلاء “النجوم” و جسراً بينهم و بين معجبيهم من قراء و متابعين

صانعوا الإلهام، ناجحون أم فاشلون؟ – أسعد الظافر

آراء

DSC_2490

يعتقد كثير من الخبراء والكتّاب المرموقين أن الانتظار حتى يأتي الإلهام إنما هو مضيَعة للوقت، ففي مجال الكتابة مثلا يؤمنون بأنها مثل أي عمل، إذ لا يمكنك أن تجلس هناك وتفكر بل عليك أن تجلس وتعمل. وهو الأمر الذي أكد عليه الكاتب ستندال حين تمنى لو أن أحدا ما أخبره بأن يكتب كل يوم لمدة ساعتين، بإلهام أو بدونه، لأن تلك النصيحة كان من شأنها أن توفّر عليه عشر سنوات من حياته ضيّعها في انتظار الإلهام.

وهذا لا يعني أن هؤلاء وغيرهم يشككون في قوة الإلهام، إنما ينبهون إلى أن انتظاره مطولا قد يبعد الإنسان عن طريق العمل ويرسله في طريق أخرى هي التسويف. يقول جاك لندن “إنك لا تستطيع أن تنتظر الإلهام، بل عليك أن تسعى وراءه بالهراوة”. لهذا، فإنّ الأكثر واقعية أنه بدلا من انتظار الإلهام علينا البحث عنه فإن لم نجده فعلينا أن نصنعه !

ذلك كان أساس فكرة إنشاء ملتقى “دردشات عربية” الذي يسعى لصناعة الإلهام عند شباب اليوم من أجل نشر رسائل إيجابية بين أبناء الجيل العربي الحالي سواء المقيمين في بلدانهم أو أولئك المهاجرين إلى أي مكان في العالم. هنا تتجاوز فكرة الإلهام مطب الانتظار إلى الفعل، وهو ما سيتيح ثلاث فرص يحتاج إليها أي شاب: أولها: إتاحة فرصة الاستماع إلى المبدعين وإلاطلاع على أفكارهم، وثانيها: تقديم الدعم المعنوي لأصحاب الإنجازات ونشر قصصهم وتجاربهم التي غيرت مجرى حياتهم أو حياة من حولهم، وثالثها: توفير منصة تفاعلية تساهم في دعم وترويج أفكارهم ومشاريعهم بما يعود بالفائدة الكبيرة على المجتمعات.

ما يحتاجه الشاب العربي اليوم هو حراك مجتمعي متفائل يبث فيه الأمل ويقوّم مسار حياته ويدبّ في جسده النشاط، فبقدر ما يحتاج إليه اليوم إلا أنه قلّما يجده حوله. ولا تستغرب إذا قلت أن نجاح أي مؤسسة كذلك يتوقف بقدر كبير على وجود هؤلاء الملهمين أو المؤثرين أو من يسميهم زملاؤهم “صنّاع السعادة” ممن يعملون على تحفيز الجميع وقيادتهم نحو النجاح.

وهنا سيتساءل البعض، ما هي شخصية الملهم؟ هل تعود لشخص ناجح أم فاشل؟ لا تستغرب من السؤال فيبدو أن قصص النجاح لم تعد أمرا جديدا ومغريا كما كانت من قبل حيث بدأت قصص الفشل بالاتتشار في الآونة الأخيرة بين الشباب مثل أي موضة جديدة، وهي بالمناسبة ليست مختلفة عن قصص النجاح بل هي الوجه الآخر لعملة “الشخص الملهم”. إن مصطلح “قصص الفشل” وجد لتسويق قصص إضافية لكن بصيغ أخرى تقدم الإنسانية والواقعية مع جرعة بسيطة من المرارة والألم. وهنا مربط الفرس الذي تحدثت عنه منذ البداية، نحن نريد تقديم رسائل التفاؤل لا رسائل المعاناة، فهذا النوع من القصص ظهر في مجتمعات أخرى لا تعاني ما نعانيه كشعب عربي، لذلك لن يضرهم تذوق القليل من الملح الزائد في تلك القصص ليشعروا بمرارتها، ونحن لا يفترض بنا كعرب تقليد كل شيء خاصة إذا لم يكن مناسبا لظروفنا وخصوصيات مجتمعاتنا. فنحن لدينا ما يكفي من القصص التي تحمل الأسى والهم، والمطلوب هو بث روح جديدة تعيد الأمل إلى الشعوب العربية خاصة بين الشباب الذين يفترض بهم أن يقودوا المجتمع الجديد.

كما أن قدرة أحدهم على التحدث عن قصة فشله أيّا كانت معاناته، بفهم وواقعية، مع إدراكه الكامل وشجاعته للوقوف وعرضها أمام الآخرين بتفاصيلها هي بذاتها خطوة نجاح تجاوز فيها عقدة الفشل، فلماذا نتحدث عن فشله ولا نتحدث عن النجاح الذي حققه بعد الفشل؟ فكل الصعوبات والإخفاقات أو كما يحلو للإيجابيين تسميتها بالتحديات هي مجرد عثرات تقف في طريق النجاح إن تجاوزها سمّي ناجحا.

إن ما يهم في قصة أي شخص صارع المرض مثلا ليست مرحلة الضعف والألم بل مرحلة القوة والقدرة على العيش خلال فترة المرض. لو أخذنا مثالا على ذلك “ستيفن هوكينغ” أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم الذي أصيب في سن الحادية والعشرين من عمره بمرض عصبي لا علاج له حتى أعلن الأطباء أنه لن يعيش أكثر من سنتين. ما سيجذبك في قصته هو عدم استسلامه وكيف عاش حتى تجاوز عمره ال 72 عاماً، وكيف تفوق على أقرانه من علماء الفيزياء أصحاب الأجساد السليمة الذين يكتبون معادلات معقدة وحسابات طويلة على الورق بينما يفعل ذلك بواسطة ذهنه. مثال آخر، معظمنا يعلم أن الرسام الهولندي الشهير “فان جوخ” عانى من نوبات متكررة من مرض عقلي غريب وفي روايات أخرى من مرض في أذنه اليمنى أدى به إلى قطعها، لكننا نهتم أكثر بإبداعاته الفنية وكيف تمكن من إنجازها رغم حالته هذه.

وهنا، نعود للحديث عن ماهية شخصية الملهم، ويجيب على ذلك الخبراء بأن صانع الإلهام يحتاج إلى خمسة مميزات: الموهبة الشخصية، القدرات العالية، إمكانية توفر الظروف المناسبة بعضها أو كلها، ارتباط الشخص بقضية يكرس نفسه لها، وفكرة أو هدف أو رؤية مع وسائل فعّالة إبداعية تلهم الآخرين.

لذلك ابدأوا من الآن بالبحث الجاد عن الملهمين في حياة كل منكم، إبحثوا عن أشخاص شعارهم في الحياة “كل شيء ممكن”، عمّن يملكون نظرة ثاقبة وخيالا واسعا، عمّن لهم قدرة عجيبة على التأقلم والاستجابة بإيجابية للظروف الصعبة، عمّن تعمل عقولهم بطريقة إبداعية نحو توليد الأفكار غير المألوفة ويقدمون الحلول لا المشاكل. هؤلاء يشعّون طاقة إيجابية هائلة وحماسا غير عادي والإصابة بعدوى منهم تعدّ أمنية.