صدق ما تريد تصديقه

آراء

هل سننتهي ان نعتمد المقولة: صدق ما تريد تصديقه، تصلك يومياً آراء وحقائق ومعلومات وأفكار ونصائح وحكم في كل شيء وعن كل شيء وكل شيء تعني هنا كل شيء بالمعنى الحرفي، لا يوجد موضوع أو مجال دون أن تغطيه هذه النشرات المتدفقة: الطب والدين والعلم والرياضة والسياسة.

أفضل ما يقال عن هذه النشرات خليط من قصص بني إسرائيل التي لا يفرق أصحابها بين الحقيقة والأسطورة، تضعك أمام الشيء ونقيضه، تصلك رسالة مزينة بغرافيك تقول لك إذا أردت إنقاص وزنك فعليك تناول ثلاث وجبات يومياً، وأخرى بنفس الزخارف تقول خمس وجبات خفيفة، ثم تأتي أخرى وتقول وجبة واحدة يومياً هي الرجيم الأمثل، ستقرأ أن طبقة الأوزان تتوسع وبعدها بدقائق قليلة ستستلم رسالة تقول إن طبقة الأوزان تتعافى ولله الحمد.

ما الذي يمكن أن تفعله في هذا الكم من المعلومات المتناقضة، لا يتوقف عند معلومات تقع في حيز اهتماماتك، تفرض النشرات المتدفقة عليك موضوعات لم تكن يوماً من اهتمامك، لا تعرف عنها شيئاً ولا تريد أن تعرف عنها مثل لقاح الشجر بالنسبة لي أو تركيبة الشوكلاتة أو أهم أنواع الأخشاب في فنلندا، ولكن مع هذا التدفق ستصلك مرة تلو المرة وبصور مختلفة ستضطر أن تتابع أخبارها حتى تصبح جزءاً من اهتمامك، وأنت لا تعرف هل هي صحيحة أم خاطئة، وهذه قاعدة معروفة، ما أن ينتقل الشيء من المجهول إلى المعلوم في وعيك حتى يصبح مثار اهتمامك ثم متابعتك.

كان الناس في الماضي ينقسمون بين مثقف وعادي، المثقف بالمعنى (المعرفي) الذي يتملك كمية من المعلومات أكثر من أقرانه ومحيطه، كان هذا المثقف في الزمن الماضي يعرف أين تقع البيرو وكيف قام ماوتسي تونغ بثورته ومتى اكتشف البنسلين ومن اكتشفه، كان إنساناً مبهراً، تتميز معرفته أنها متسقة ومصادرها موثوقة إلى حد ما، أصبحنا في أيامنا هذه جميعاً مثله، كل واحد منا يعرف عن سعة خرم طبقة الأوزون، وعدد الأسود في غابات تنزانيا، والأثر المدمر للزيوت المهدرجة، خليط هائل من المعارف لا يحيط بها أي انسجام ومعظمها لا فائدة منه، وفوق كل هذا لا تعرف مدى دقتها وصحتها وإمكانية تطبيقها على حياتك.

نعيش هذه الأيام حالة توسع متنامية في حرية التعبير والمشاركة في الجدل حول المسائل التي تخصنا، ولكننا في الوقت نفسه نفقد الثقة في المصادر التي تزودنا بالثقافة والمعرفة، ما كسبناه هنا خسرناه هناك! عندئذ تصبح الحقائق قائمة على الهوى؛ فتصدق ما تريد تصديقه.

المصدر: الرياض