طاح الرخا في الديرة

آراء

كان فقيه قريتنا يؤم أربع قرى يوم الجمعة لندرة الفقهاء. ولكثرة مشاغل القرويين وانصرافهم إلى مصالحهم. ولم تكن إقامة الصلاة إشكالية، فحيثما تولوا فثم وجه الله. وينال الفقيه مقابل إمامته مُدّ ذرة في الخريف. ومد حنطة في الصيف من كل منزل.

ينطلق الفقيه يوم الجمعة فوق ظهر حمارة بيضاء مخطمة ومصبوغة الجبهة بالحناء وكتاب (الحكمة البالغة) تحت إبطه. يبدأ بالقرية الأبعد ثم الأقرب فالأقرب. حتى ينتهي بجماعتنا. كانت القرية منظومة عمل أو عمالة. ولم يكن المعيب سوى البطالة.

جاءت الطفرة وتنامى عدد الفقهاء والوعاظ. ومن اللافت أن أحد شعرائنا الجميلين لم تسعفه الراحلة (الصوت) على مجاراة الفرسان فتحول إلى إمام وخطيب وراق، يعالج من السحر والعين. وفي إحدى القرى خشي معلم من الفراغ بعد التقاعد فعمل مهندس آبار يحدد للناس موضع الحفر. وذات صباح دعاه أحد القرويين يبصّر له ويبشره بالماء، فجاءت زوجة القروي بقهوتها فصاح زوجها «عوّدي وراك هذا يشوف الماء ورا حُلّق الصفيان وإنتي ما فوقك إلا طمرة». وبما أن هندسة الآبار لم تعد عليه بما توقع من مردود أطلق اللحية وقصر الثوب وبدأ يمارس الرقية الشرعية وتكبس الخلق حول منزله.

وبحسب أحد الأصدقاء فإن (طقاقة) اعتزلت الطق على الدف. واتجهت لطق الحنك وحازت لقب ناصحة. ومما يُروى أنها تقضي النهار في الدعوة والوعظ وتالي الليل في قصور الأفراح من باب ساعة لربك وساعة لقلبك. لا أبالغ إن قلت ربما يتوفر اليوم لدينا واعظ لكل ثلاثة مواطنين. وربما نحقق رقما قياسيا ونوفر واعظا لكل مواطن. بينما بعض المناطق لم تستطع توفير طبيب لكل ألف مواطن. وبعض الأطباء والمهندسين والإداريين انضموا لقافلة الوعظ في ظل البطالة المُقنّعة. الله لا يغير علينا!

في زمن ضخ المنتوجات الزراعية في سوق الخميس في الباحة كنا نشهد زيادة عرض بعض السلع مقابل انخفاض الطلب. والمحرّج الندي الصوت يطلق صيحاته على (القوطة) بريالين بريالين. ويردد «وينكم يالشراية. طاح الرخا في الديرة» علمي وسلامتكم.

المصدر: عكاظ