علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

طرد هنا وطرد هناك

آراء

شهد الأسبوع الماضي حادثتي طرد لمسؤولين أميركيين، من دولتين تقع أولاهما في شرق الكرة الأرضية، وتقع الثانية في غربها. كان المطرود في الأولى مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان »توماس مالينوفسكي«، الذي طلبت وزارة الخارجية البحرينية منه مغادرة البلاد فوراً، وذلك لتدخله في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وعقده اجتماعات مع طرف دون أطراف أخرى، بما يبين سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ويتعارض مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات الطبيعية بين الدول، وفقاً لما جاء في بيان الوزارة.

وكان المطرود في الثانية مسؤول المخابرات في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في برلين، الذي قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية إنه طُلِب منه مغادرة ألمانيا، على خلفية كشف قضية تجسس ألمان لصالح واشنطن، يُعتقَد بأنه أشرف عليها.

في حادثة طرد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان من مملكة البحرين، استنكرت وزارة الخارجية الأميركية قرار نظيرتها البحرينية، وكشفت أن المنامة طلبت حضور ممثل عنها للقاءات التي يجريها الدبلوماسي الأميركي مع أشخاص وجماعات تمثل المجتمع البحريني، معتبرة أن هذا الطلب »يتناقض مع العلاقات الثنائية طويلة الأمد، وينتهك التقاليد الدبلوماسية الدولية«، لافتة إلى أن هذه التصرفات »لا تنسجم مع علاقات الشراكة القوية بين البلدين«!

أما وزارة الخارجية البحرينية فقالت إن مالينوفسكي »التقى حزباً معيناً على حساب غيره من الأحزاب«، وهو ما أقره »تجمع الوحدة الوطنية« البحريني، الذي أكد تأييده لموقف وزارة الخارجية، قائلاً إن »هذا القرار تحفظ به بلادنا حقها الاعتباري والسيادي، وتضبط به كل محاولات الاستخفاف وعدم الالتزام بالأعراف الدبلوماسية المعروفة، والعلاقات الطبيعية بين الدول«.

موضحاً أنه في الوقت الذي منح فيه ممثل وزارة الخارجية الأميركية مساحة زمنية كبيرة للقاء بعض الأطراف السياسية والطائفية، وقام بترتيب لقاءات عدة معهم، تم تخصيص ساعة واحدة فقط للقاء التجمع وباقي جمعيات الائتلاف، الأمر الذي وضّح حالة التمييز التي تتبعها الإدارة الأميركية في النظر والتقييم لواقع الأزمة السياسية في البلاد.

وفي حادثة طرد ممثل الاستخبارات في السفارة الأميركية في ألمانيا، قال رئيس لجنة البرلمان الألماني لمراقبة عمل المخابرات، إن موظف اتصالات السفارة الأميركية في برلين الذي طردته ألمانيا، كان يشرف على الجاسوسين المحتملين اللذين تم الكشف عنهما، ويشتبه في أنهما تجسسا على وزارة الدفاع والمخابرات الألمانية.

ويأتي هذا بعد عام من كشف مسرِّب المعلومات الاستخباراتية الأميركي »إدوارد سنودن« عن أنشطة أميركية لجمع معلومات عبر شبكة الإنترنت من شتى أنحاء العالم، ومنها ألمانيا، تمت خلالها مراقبة الهاتف الشخصي المحمول للمستشارة الألمانية »أنجيلا ميركل«، حيث أثار برنامج التجسس الأميركي غضباً في الأوساط السياسية الألمانية، وأدى لفتح تحقيق برلماني ما زال مستمراً حتى الآن.

في البحرين، أكد بيان وزارة الخارجية على العلاقات المتينة والثابتة مع الولايات المتحدة، وضرورة ألا تشوبها مثل هذه الشوائب بما يعكر صفوها وتطورها في مختلف المجالات. وفي ألمانيا، أعرب وزير الخارجية الألماني عن عدم تفهمه وغضبه من الولايات المتحدة الأميركية في فضيحة التجسس الجديدة، قائلاً إنه »سيكون من المقلق لأقصى درجة، أن يكون هناك استمرار للتجسس بلا مبالاة.

بينما نحن نحقق في الأنشطة التجسسية لوكالة الأمن القومي الأميركية«، مضيفاً أن »محاولة معرفة موقف ألمانيا عبر طرق مؤامراتية أمر ليس غير ملائم فحسب، بل هو زائد عن الحد تماماً«، موضحاً أن »ألمانيا والولايات المتحدة تتحدثان سوياً كثيراً، ولا يخفي أحد مواقفه«.

طرد هنا وطرد هناك؛ يمثلان المأزق الذي تضع الولايات المتحدة الأميركية فيه أصدقاءها وحلفاءها أكثر مما تضع فيه نفسها، ويصوران المنهج الذي تنتهجه السياسة الأميركية، والذي يولِّد المزيد من التوتر في علاقاتها مع أصدقائها وحلفائها، أكثر مما يفعل ذلك مع أعدائها الذين يصعب تحديدهم بالضبط، في ظل الأحداث المتغيرة يوماً بعد يوم، والتي تلعب الولايات المتحدة فيها دوراً لا يخفى على طلبة كليات العلوم السياسية في الجامعات، ناهيك عن المحللين الذي يتابعون مجراها، والسياسيين الذين يتعاونون مع الولايات المتحدة. وهو ما عبرت عنه المستشارة الألمانية »أنجيلا ميركل« معلقة على كشف قضية التجسس الأخيرة، حين قالت إنه »في حال تبين أن ذلك كان حقيقياً، فمن شأنه أن يمثل تناقضاً واضحاً لما يُفترَض أن يكون عليه التعاون بين شريكين«.

كما تقول »أنيت هيوزر« المدير التنفيذي لمؤسسة »بيرتلسمان«، ومقرها واشنطن: »إذا كان البيت الأبيض مؤمناً فعلًا بشراكة عبر أطلسية، فيتعين على أوباما أن يرتفع إلى مستوى توقعات برلين في كبح جماح استخباراته«. طرد هنا وطرد هناك؛ يفتحان الباب أمام العديد من علامات الاستفهام والتعجب حول السياسة الأميركية، وما تهدف إليه من إثارة غضب أصدقائها وحلفائها على حد سواء، وعن المدى الذي تذهب إليه الولايات المتحدة الأميركية في خسارة أصدقائها وحلفائها، وعن الغايات التي تسعى إليها وهي تتقرب إلى معارضي أصدقائها، وتتجسس على قادة حلفائها ومؤسساتهم الأمنية.

طرد هنا وطرد هناك؛ يعبران عن الضبابية التي تكتنف سياسة الولايات المتحدة الأميركية، والأسلوب الذي تتعامل به مع أصدقائها وحلفائها الذين وقفوا معها في السراء والضراء، ثم لم يجدوا منها إلا النكران، وصب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة هنا وهناك، بينما يلتقي وزير خارجيتها كل الأطراف، ولا أحد يعرف ما يقول، في الغرف المغلقة، لهؤلاء وأولئك.

المصدر: البيان