زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

ظنوننا التي وراء (الأكمة)!

آراء

انقضت الأسبوع الماضي احتفالية «اليوم العالمي للغة العربية»، وقلت في نهاية اليوم الطويل: انتهينا الآن من الاحتفالية ولم ننته من يوم اللغة العربية، الذي نريده في كل يوم من أيام العام، ليس احتفالاً بل احتفاءً بها، إذ المدخل الحقيقي والفعال لرفع مكانة اللغة العربية هو ليس في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها.

غشي المناخَ العربي في الموقف من الاحتفالية أمزجةٌ عديدة، متناقضة ومتكاملة أحياناً، قلّة اعترضت عليها من منطلق ديني يرى سفاهةَ ومخالفةَ الاحتفال بالأيام المناسباتية عموماً، الموقفَ الشرعي. آخرون -أكثر منهم- اعترضوا على تفاصيل مرتبطة بالاحتفالية، وبالتحديد على مضامين الشعار المكرس للاحتفال، وتحديداً على نقطتين هما: لماذا اختير تاريخ الاحتفالية بالميلادي (الأجنبي) وليس بالهجري (العربي)؟ وبغضّ النظر عن جدلية إن كان التقويم الميلادي أجنبياً حقاً والعربي هو الهجري فقط، فقد نسي أولئك أن منظمة دولية كالـ «يونيسكو» لا يمكن أن تستخدم التاريخ الهجري في قراراتها، وأن إصرارنا على الهجري كان سيحيلها من مناسبة عالمية إلى محلية فقط، وهو ما لا ننشده ولا ينشده حتماً المعترضون. الاعتراض الآخر هو: لماذا كتبنا التاريخ وترجمة المناسبة في الشعار باللغة الإنكليزية، والجواب هو المبرر السابق ذاته، أي لاستخدام الشعار في المنصات الدولية.

ليس من حقنا منع أي أحد من إبداء رأيه في أي شيء، لكني كنت أود أن ننشغل بروح الاحتفالية عن التفاصيل المرافقة لها، وأن ننغمس في الروح الإيجابية لذلك اليوم العالمي، وأن لا نظن بأننا في هذا اليوم العالمي للغة العربية سنحلّ كل مشاكلنا اللغوية والتاريخية والسياسية، وسنعيد الهيبة للغتنا العربية ولتاريخنا الهجري ولهويتنا الشاملة معاً، فهذا خلط للأولويات وتشتيت للجهود. هذا اليوم العالمي هو لنصرة اللغة العربية وليس لنصرة التاريخ الهجري المهجور، ونحن لا نستطيع أن نصيد «عشّة» عصافير بحجر واحد!

بيد أن هذه الاعتراضات التي شغلتني حقاً لم تدهشني، كما فعلت التساؤلات التي أثارها البعض حول: ماهية الاحتفالية ومغزاها ومبتغاها ولماذا لم تحتفل اللغات الدولية الأخرى بأيام لها؟ هل يُعقل أن نكون نحن أكثر وعياً منهم.. أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟! ونحن بالطبع دوماً منشغلون بالذي وراء الأكمة أكثر من انشغالنا بالأشياء الكثيرة التي أمام الأكمة!

وحتى عندما أفدت السائلين بأن الأمم المتحدة واليونيسكو قد خصصتا يوماً عالمياً لكل لغة من اللغات الدولية الست وليس للغة العربية وحدها، تضخمت (الأكمة) أمام بعضهم بشكل أكبر هذه المرة، فقالوا: ولماذا نحتفل بيوم لغتنا العالمي قبل أن يحتفل الآخرون بيوم لغاتهم؟!

كأن العتب أو العجب هو كيف يسبق العربُ غيرهم في أمر إيجابي؟ وأن هذه الإيجابية قد تكون مؤشراً على أمر سلبي!

حاولت أن أبسّط الإجابة للمتوجسين، بأن العرب، وعلى غير العادة، سبقوا الآخرين وبادروا بالاحتفال بيوم لغتهم، ربما لأنهم أكثر حبّاً للغتهم أو ربما لأنهم أكثر قلقاً عليها.. هذه كل الحكاية.

وإذا ما أعلنت لغةٌ أخرى العام القادم أو الذي يليه، عن انطلاقة احتفاليتها بيوم لغتها العالمي سيطمئنّ المتوجسون العرب من مبادرتنا «المريبة»، وستطمئن نفوسهم بأن كل شيء على ما يرام!

الإحباط الذي تعيشه الشعوب العربية، وهي في الغالب ليست مسؤولة عنه، أودى بها إلى فقد الثقة في أي مبادرة عربية إيجابية تعاكس التيار السلبي الغالب، بل والتوجس خيفة من أي تحرك حضاري يسبق العربُ فيه غيرهم من غير العرب.

لا ندري هل نلوم الجماهير العربية على هذه السوداوية، أم نلوم القيادات العربية التي دفعت بالجماهير إلى هذا الإحباط؟!

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees