سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

عملٌ عظيمٌ.. مذهلٌ.. غير مسبوق محلياً..

آراء

عملٌ عظيمٌ، ومذهلٌ، ورائعٌ، وغير مسبوق محلياً في حجمه وتنظيمه وطريقته وشكله، عملٌ يدعو إلى تقدير واحترام صاحبه، على تفكيره الراقي، وفتحه مجالات جديدة مطلوبة ومفقودة حالياً في أمور الوقف والعمل الخيري، والأهم تكريسه مبادئ جديدة ترسم طريق الخير لمن يريد أن يسلكه مستقبلاً من التجار ورجال الأعمال.

عملٌ عظيمٌ حقاً، ذلك الذي أعلنه رجل الأعمال الإماراتي عبدالله أحمد الغرير، بتخصيص ثلث ثروته لإنشاء مؤسسة خيرية تُعنى بقطاع التعليم، وتهدف إلى دعم المعرفة والابتكار، وبناء اقتصاد معرفي مستدام، وتُقدم منحاً دراسية لطلبة مواطنين وغير مواطنين، من ذوي الدخل المحدود، داخل الدولة وخارجها، يستفيد منها 15 ألف طالب وطالبة.

فِعلُ عبدالله الغرير، في حد ذاته، هو نقلة نوعية، بل ثورة حقيقية حميدة في مجال العمل الخيري والوقفي في الدولة، فلقد حدّد بوضوح المبلغ المالي المخصص للمؤسسة، ولم يتركه غامضاً مربوطاً بنسبة غير واضحة، فهناك «4.2 مليارات درهم» مخصصة لهذا العمل، وفي هذه الخطوة شفافية كبيرة، ووضوح تام يُمكّن كل من يرغب في مشاهدة حركة هذه الأموال وأوجه صرفها في أي وقت.

كما أن إعلان الغرير تخصيص هذا المال وتحديده في مجال التعليم والابتكار والمنح الدراسية، يُشكل نقلة أخرى في مفهوم العمل الخيري، الذي انحصر، وللأسف الشديد في مجالات بسيطة، مثل بناء المساجد وحفر الآبار ورعاية الأيتام، بالتأكيد لا نقّلل من شأن أي عمل خيري، لكن ووفقاً للأرقام الصادرة عن دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، فإن هناك تشبعاً تاماً في الصرف على بناء المساجد، ونقصاً شديداً في الصرف على الأوجه والمجالات الخيرية المتعلقة بالتعليم والصحة، ووصل حجم المبالغ المخصصة لهذين القطاعين في سنة من السنوات إلى «صفر» درهم!

لاشك في أن الحكومة لن تعجز عن بناء المدارس، واستقطاب الجامعات، وهذا غالباً ما يكون السبب المباشر في امتناع المُحسنين ورجال الأعمال والتجار من التبرع والمساهمة في قطاع التعليم، ولاشك أيضاً في أن هذه النظرة خاطئة وضيّقة، بل إن التبرع للتعليم هو عملٌ خيري وصدقة جارية لا ينقطع أجرها أبداً، كما أن «دعم التعليم والمعرفة والابتكار هو أهم ما يحتاج إليه العالم العربي اليوم»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

عبدالله الغرير اتخذ قراراً شُجاعاً، وأسس مؤسسة مستقلة، وسجّلها قانونياً، وعيّن مجلس أمناء لتسييرها، والإشراف على أعمالها، وهو في طور إنهاء إجراءات منح المؤسسة ملكية ثلث مجموعة شركات عبدالله أحمد الغرير، بما في ذلك أصولها، وعوائدها وأرباحها، وهذا إنجاز طيّب وغير مسبوق، يفخر به كل إماراتي وكل عربي وكل مسلم، بل هو إنجاز إنساني تفخر به البشرية بشكل عام، فالمؤسسة ستظل قائمة غير مرتبطة بأشخاص وأسماء، وخيرُها ستظل أبوابه مفتوحة لطلبة العلم، لينهلوا منها علماً مفيداً يبنون به مجتمعاتهم، ويخدمون به البشر في كل مكان.

خيرُ هذه المؤسسة الوليدة لن يقتصر على دولة الإمارات، فالمنح، كما قال رئيس مجلس إدارتها، عبدالعزيز الغرير «ستتركز على التخصصات الأكاديمية، التي تلبي احتياجات الاقتصاد العالمي الحديث، وتواكب أولويات وأسس بناء الدولة العصرية، والمؤسسة ستدعم برامج تعنى برفع مستوى جودة التعليم الأساسي في العالم العربي، والبرامج الهادفة إلى تطوير الابتكار والتميز في التعليم»، مشيراً إلى أن تحصيل التعليم العالي في العالم العربي منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، وبحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، فإن عدد الملتحقين بالتعليم العالي في الدول العربية لا يتعدى ثلث خريجي المدارس الثانوية، أي أقل من المتوسط العالمي!

عملٌ عظيمٌ، ومذهلٌ ورائع، وغير مسبوق محلياً، وبالتأكيد هو كما قال عبدالعزيز الغرير «يأتي استكمالاً للمسيرة الإنسانية التي قادتها الإمارات في نشر قيم الخير والتراحم والعطاء، وتوفير الرفاهية والحياة الكريمة لشعبها وكل المقيمين على أرضها وعلى امتداد العالم العربي».

المصدر: الإمارات اليوم