سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

عندما تتوافر عناصر النجاح الثلاثة..

آراء

للنجاح ثلاثة عناصر رئيسة، ومن الصعب أن ينجح مشروع ما دون هذه العناصر الثلاثة: فكرة، وقائد ملهم، وفريق عمل مخلص يؤمن بالقائد وبرؤيته، ويعمل على تنفيذ هذه الرؤية بجدية واهتمام.

هذه العناصر الثلاثة اجتمعت قبل 16 عاماً في دبي، حين استدعى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء، إلى بقعة صحراوية خارج مناطق العمران في دبي، وقال له: «هذا هو مكان مشروعنا الجديد، هنا ستكون مدينة الإنترنت، وبعد عام واحد فقط أريد أن نحتفل سوياً بافتتاحها».

الفكرة كانت غير تقليدية، وتحمل جرأة ومخاطرة، ففي ذلك الوقت كانت شركة «غوغل» في بداية عامها الأول، ولم تكن أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي قد ظهرت بعد، ولم تنتشر الثورة الرقمية، ولم تعرف المنطقة بعدُ الخدمات الإلكترونية أو الذكية، لأن الهاتف الذكي ظهر بعد هذا التاريخ بتسع سنوات، لكن كان هناك استشراف للمستقبل، وكانت دبي تتهيأ وتستعد لاحتضان التطورات المذهلة في عالم التقنية بمدينة متكاملة للإنترنت، هذه الفكرة التي ابتدعها قائد ملهم، ونفذها فريق عمل يؤمن برؤية هذا القائد.

وبعد عام واحد فقط، ظهر بنيان مدينة الإنترنت في تلك المنطقة الصحراوية، وبجهود ضخمة من فريق العمل، يقف على رأسهم محمد بن راشد، فكانت زياراته لموقع البناء شبه يومية، ومتابعاته عبر الهاتف لا تتوقف، وكان في معظم الأحيان يوجد قبل السادسة صباحاً في الموقع، وقبل وصول المهندسين، وتم الافتتاح في الموعد المحدد بالضبط، 12 شهراً غيرت ملامح هذه المنطقة، ونقلت دبي إلى موقع ريادي متطور في صناعة التكنولوجيا والإعلام.

وقصة النجاح التي تمت في هذا المشروع لم تنحصر في إنجاز العمل خلال عام واحد، بل هناك ما هو أكبر وأعظم من ذلك بكثير، فالمشروع في حد ذاته كان مخاطرة، في وقت لم يكن يتوقع أحد حدوث ثورة رقمية هائلة، كما أنه بدأ بقرض تجاري من «إتش إس بي سي» بقيمة 200 مليون درهم، وكانت مكاتب فريق العمل في بدايتها من أثاث مستعمل لتوفير المصروفات!

أما نتيجة ذلك، ومؤشرات النجاح التي أصبحت اليوم بارزة وواضحة للعيان، فهي توسع هذه النواة الصغيرة لتصبح مقراً لمجموعة شركات كثيرة تبلغ أصولها اليوم أكثر من 117 مليار درهم، وتقع تحت مظلة تحمل اسم «دبي القابضة»، وتكونت مدن جديدة حول مدينة الإنترنت متخصصة في الإعلام، والتعليم، والعلوم الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات، وتحولت تلك البقعة الصحراوية إلى مكان راقٍ، ومدينة تواصل حضاري مع بقية حضارات العالم، تضم أكثر من 70 ألف مبدع من أكثر من 150 جنسية، يعملون في 4500 شركة بالمدينة، وهناك 140 قناة تبث لأكثر من مليار مشاهد، وفي المدينة أيضاً أكثر من 400 برنامج أكاديمي وتعليمي، يستفيد منه عشرات الآلاف من طالبي العلوم والمعرفة، ومن آلاف عدة من الأقدام المربعة توسعت المدينة لتبلغ مساحتها ستة ملايين قدم مربعة، وواصل العديد من فرق العمل من أبناء الوطن الليل بالنهار لتحقيق رؤية محمد بن راشد، وترسيخ نجاح المدينة، وصناعة مدن أخرى.