محمد الساعد
محمد الساعد
كاتب سعودي

عندما رفع خالد المالك.. رايته البيضاء !

آراء

لم يكن يتخيل خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة أو «أبو بشار»، كما يحب أن يطلق عليه محبوه، أنه سيأتي اليوم الذي يرفع هو بنفسه رايته البيضاء في بلاط صاحبة الجلالة، يا لها من مصادفات مدهشة تدعو للتفكير والتأمل في دورة الحياة.

وأن الفارس الذي بقي لـ50 عاما ممتطيا صهوة جوادها سينزل من فوق حصانه، ويصيح بصوت عال أنه لم يعد قادرا على خوض المعارك لوحده، خاصة أن غريمه هي هذه التكنولوجيا بكل طوفانها وتغييرها لتركيبة البناء المعرفي والثقافي والمجتمعات والأسواق.

قبل أسبوع واحد فقط، كتب خالد المالك مقالا يشكو فيه للملك سلمان وللأمير محمد بن سلمان الحال الذي وصلت إليه الصحافة السعودية، حال لم يعد يسر المحبين المشفقين على الإعلام والصحافة السعودية.

لا شك أن المالك «أضناه التعب»، ولم يعد قادرا على مواصلة النضال واللهث اليومي وراء الخبر، فاليوم غير اليوم والخبر غير الخبر والسوق غير السوق.

مقال أبو بشار لم يكن الأول ولن يكون الأخير عن عوالم الصحافة، وسبق أن كتبت مقالا قبل 9 أشهر بعنوان «الصحف.. إما صندوق الاستثمارات.. أو مستوطنات عزمي»، قلت فيه إن خطرا داهما سيعصف بالصحف، وإن الحل هو في تدخل واستحواذ صندوق الاستثمارات العامة عليها، لإنقاذها من مصير محتوم ليس أمامنا إلا مراقبته، حتى يقضي عليها الواحدة تلو الأخرى.

مشكلة الصحافة اليوم هي أنها تقف لوحدها وكأنها فارس خاض كل معارك الوطن بصدر مفتوح وقلب جريء، لا يهاب المخاطر مهما كانت جسيمة، كان شابا يافعا لا يقف ولا يتردد، منتصرا لمملكته وشعبه وقيادته.

ذلك الشاب أصبح اليوم هرما متعبا مثخنا بالجراح، صحيح أنه ارتكب بعض الأخطاء خلال مسيرته الطويلة، من أهمها أنه لم يسمح بتجديد الدماء، وبقي لوحده متوهما أن دوره لا ينتهي ولا يتقادم، لم يدرب، لم يؤهل، والأهم أنه لم يستشعر الخطر الذي لاح قبل 20 عاما، كما أنه لم يحفظ قرشه الأبيض ليومه الأسود.

واجهت الصحافة طوال تاريخها، من الحركيين والصحويين والإخوان وأخيرا القطريين وحزب الغاز، حروبا وتشكيكا لا مثيل له في مهنيتها وحياديتها وحتى في قياداتها، كان الهدف إسقاطها شعبيا، بل وحتى إسكاتها حتى لا تعبر عن صوت التنمية والأمل والمستقبل.

كان المحاربون وهم كثر، يعدون ليوم السقوط ليتمكنوا بعده من احتلال عقول ومشاعر الناس، اسألوهم لماذا لم يحاربوا صحافة قطر ولا تركيا، فقط صحافتنا السعودية هي من كانت شوكة في حلوقهم.

هل نحن في خطر كبير إذا سقط عرش الصحافة السعودية..

أقولها بالفم المليان نعم نحن في خطر داهم، الصحافة لا تزال هي المعبر الحقيقي عن الرأي والخبر الموثق في صحته، ومن لديها التراكم المعرفي والمهني والأخلاقي، ولأنها من الوسائل القادرة على صناعة رأي عام صلب يقف مع وطنه في هذه الحروب القاتلة والسامة الموجهة له.

هذا ما تأكد بالضبط عندما وقفت الصحف بتحليلاتها وتقاريرها وكتابها مع الوطن ضد مؤامرة الدوحة، لقد ساهمت بكشف حجم الخيانة، وصنعت رأيا عاما متماسكا انحاز بلا تردد مع وطنه وقيادته ضد العبث القطري.

عندما يعلن خالد المالك استسلامه بعد 50 عاما من العمل المضني في بلاط صاحبة الجلالة، هو لا يستسلم بالمعنى الحرفي، بل هو ينقل قلمه الذي انتهى حبره إلى جيب الدولة، التي نؤمن جميعا أنها الوحيدة القادرة على إنقاذها، لقد سلم أبو بشار الأمانة مخلصاً لمن هو أهل لها.

إلا أن ذلك الإنقاذ يجب أن لا يأتي من أجل عيون المساهمين ، بل من أجل عيون الوطن.

تلك الصحف ليست ملكا لأحد، بل هي مكتسب شعبي ينبغي الحفاظ عليه، فعندما سقطت البنوك وشركات التمويل العقاري في أمريكا، هب البنك المركزي والاتحاد الفيدرالي لنجدتها، ليس لأنه ينقذ أفاعي تلك الشركات، بل لأنه ينقذ الاقتصاد وسمعة الاقتصاد وفي النهاية أمريكا العظمى.

المصدر: عكاظ