هاني الظاهري
هاني الظاهري
كاتب ومستشار إعلامي.. مؤسس مجموعة تسويق الشرق الأوسط للاستثمار.. رئيس مركز الإعلام والتطوير للدراسات

عندنا وعندهم «بوكو حرام»

آراء

قامت الدنيا ولم تقعد بعد اختطاف جماعة «بوكو حرام» نحو 280 طالبة في المرحلة الثانوية بولاية برنو النيجيرية، وإعلانها عن نيتها استرقاقهن وبيعهن بدولارات معدودة، لترسل بذلك إلى البشرية جمعاء رسالة بالغة التشويه للدين الإسلامي، كما هو معتاد من الجماعات المتطرفة وتنظيمات الإسلام السياسي حول العالم.

الحادثة الشنيعة التي حبست أنفاس العالم المتحضر تسببت في تسليط الأضواء على الجماعة المخبولة التي أُسست عام 2002، بشعار محاربة «تغريب التعليم» في نيجيريا. مهلاً هل يعني لنا هذا الشعار شيئاً نحن السعوديين؟ أو بشكل أوضح هل نحن بمعزل عن المخبولين الذين يعتبرون تدريس العلوم الحديثة «تغريباً» يستهدف تدمير دين المجتمع وقيمه؟

الإجابة بالطبع يمكن اختصارها بعبارة «عندنا وعندهم بوكو حرام»، فما زلنا منذ أكثر من أربعة عقود في صراع مع مرضى «وسواس التغريب» الذين حارب آباؤهم تعليم البنات ويحاربون هم وأبناؤهم اليوم أي إصلاح للمناهج أو للتعليم العام، لكن الفرق بين «بوكو حرام صحارينا» و«بوكو حرام نيجيريا» أن الثانية وجدت في ضعف القبضة الأمنية في الدولة الأفريقية النفطية متنفساً لممارسة جنونها، بينما في بلادنا يقف الأمن حاجزاً وحيداً بين التنمية والتدمير، وبين المدنية والهمجية. هذه هي المعادلة باختصار ومن دون فذلكة وتقعر ثقافي قذف المجتمع بأكمله في دوامة تنظيرات لا تنتمي بأي حال من الأحوال إلى العصر الحالي.

إلى قبل حادثة اختطاف الطالبات النيجيريات كانت جماعة «بوكو حرام» وفق معايير متطرفينا «جماعة محتسبة» تعاني من الظلم والاضطهاد بسبب نشاطها المتمثل في مناهضة محاولات «التغريب» وفق مفهوم الذهنية الإسلاموية المتطرفة. نحن لدينا أيضاً من يمارسون هذه المسرحية باقتدار، بل إن الأمر وصل بهم إلى إصدار كتيبات وفتاوى وإلقاء محاضرات تحارب أي توجه إصلاحي في البلاد، وخلال الأعوام القليلة الماضية تمكنوا من صناعة ظاهرة التجمعات الاحتسابية أمام مؤسسات الدولة لصد طوفان التغريب، بحسب ادعاءاتهم. إنهم بكل وضوح ليسوا سوى نسخة سعودية بدائية من «بوكو حرام» النيجيرية. نسخة في طريقها إلى صناعة الأسوأ والأبشع وغير المتوقع إن لم تجد ردعاً قوياً يستشعر خطورتها ويعي ما تصبو إليه وما يمكن أن تصل إليه.

يمكننا القول بكل اختصار إن كل محارب لتطوير مناهج التعليم في السعودية وكل مشوّه لبرنامج الابتعاث وإدخال التربية البدنية لمدارس البنات، وعمل المرأة في عمل شريف يكفل لها عيشاً كريماً، وكل مهلوس بـ«وسواس التغريب» هو عضو محتمل في التنظيم المؤجل «بوكو حرام السعودية» سواء علم بذلك أم لم يعلم، وهو أيضاً عنصر محتمل ومؤجل لممارسة عملية التشويه التاريخية لسماحة الدين الإسلامي، وتنفير البشرية منه، والأهم من ذلك كله أنه كائن موجود بالخطأ داخل الجغرافيا وخارج التاريخ.

المصدر: الحياة