محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

عيدكم مبارك.. العيد القادم في دمشق!

آراء

قد لا أكون صاحب بلورة سحرية تنظر إلى القادم من الأحداث وتتعرف على نتائجها النهائية، إلا أن هناك هاجسا يراودني، أن حملة حرب الحلفاء الجدد العسكرية على تنظيم داعش والإرهاب، التي تحصنت، جزئيا على الأقل، بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، هو بداية النهاية في دمشق، فلن تسكت نيران الحملة وأزيز طائراتها إلا بتغير جذري، وحقيقي في دمشق.

قد يرى البعض غير ذلك، فهناك من يرى من المحللين أن الحرب النشطة هذه الأيام على الإرهاب، قد تفسح المجال للنظام السوري للتنفس، ويذهب نصراء النظام السوري ومتحدثوه في وسائل الإعلام للقول: ألم نقل لكم من البداية إن الإرهاب هو ما نحارب! قال ذلك وليد المعلم، الوزير السوري، بملء فيه على منبر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي (تقف بلادي إلى جانب الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، بشرط أن يحافظ على حياة المدنيين)!! قد ينخدع البعض بذلك القول، ولكن ليس الجميع من فقد عقله، نعم قد يتمدد نفوذ دمشق في المرحلة الأولى من الحملة إلى أراض لم تكن تستطيع أن تدخلها قواته، هذا محتمل، إلا أنه مؤقت، قد يستمر لفترة قصيرة، ولكن لن يبقى طويلا.

في سير الأحداث السياسية، تظهر المفاجآت، يقول المعلم في الخطاب نفسه: (الأحداث فاجأت الكثير من الدول، ولكن لم تفاجئنا). وهو محق، لأن الدهشة فقدت منذ زمن من أجندة نظام الأسد، كان البعض في حيرة، كيف استطاع نظام الأسد من خلال مجموعة من المناورات أن يفلت من العقاب الدولي ويبقى حتى الآن، ربما بنصف رئة، ولكنه بقي، بل واستخدم في وقت لاحق (تهديد الإرهاب) ليرهب به آخرين ويفزعهم؟! إلا أن التكتيكات شيء، والاستراتيجية شيء آخر تماما.

تتسرب بعض الأنباء أن قوات التحالف الجوية استهدفت أو قد تستهدف (إرهاب النظام أيضا) فهو يحتضن جماعات إرهابية يسميها السوريون (الشبيحة) لا تبعد في أعمالها كثيرا عن (داعش) وأشباهها في القتل والتنكيل بالآمنين العزل، من خلال استهداف تلك الجماعات، يمكن الوصول إلى قوات الأسد، التي إن واجهت الحلفاء فسوف تتحلل من قيادتها، وتنضم إلى صفوف شعبها.

حتى لا نبالغ بالقول، فإن النظام في دمشق يستشعر ذلك، فمع تفكيك خطاب وزير خارجيته المرتبك الذي أشرنا إلى بعضه، من على منبر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، يستطيع المراقب أن يلحظ بوضوح تلك المخاوف من الاحتمالات القادمة. (إن تسليح جماعات يسمونها معتدلة هي وصفة لزيادة الإرهاب).. لقد أسقط المعلم بهذه العبارة ورقة التوت.

في بداية الأمر ارتكن النظام في دمشق على تصدي روسيا للتحالف الدولي وقدرتها في المحافل الدولية على منع أي قوات، جوا وأرضا، من الدخول إلى الأرض السورية، كون ذلك انتهاكا لسيادة دمشق! ثم تحدثت دمشق أن التحالف قد أخبرنا بالعمليات، دون ذكر الشرط الأول الذي تمسكت به لفترة، وهو الموافقة على التدخل بشكل مسبق، ثم اختفى كل ذلك مع تصاعد الضربات الجوية، حتى بدأ منظرو دمشق بالقول إن ذلك يصب في مصلحتهم، وإن العالم جاء من أجل تخليص نظامهم من الإرهاب وجماعاته! ثم جاء تصريح الأسد بعد زيارة شمخاني لدمشق ليقول: كيف يمكن لدول ساندت الإرهاب أن تحاربه؟ ذلك جزء من الارتباك.

حقيقة الأمر أن كل تلك التفسيرات هي لتطمين الخاطر، وربما أيضا شراء بعض الوقت قبل أن يتعرف الجميع، وخاصة المناصرين لنظام دمشق من داخله، أن الوقت الافتراضي للنظام قد انتهى.

وعلى مقلب آخر نرى أنقرة تقع تحت ضغط هائل الآن لفعل شيء إيجابي تجاه الشعب السوري، على الأقل حفاظا على مصالحها، فسوريا هي الخلفية الهامة لأنقرة، وأكراد تركيا يضرسون الآن للتدخل كجماعات متطوعة، من أجل نصرة إخوانهم الأكراد في سوريا، من تنكيل (داعش) وغيرها، الخيار أمام تركيا، إما أن تترك أكرادها للتطوع لنصرة بني جلدتهم، وهذا بحد ذاته يشكل خطرا على الأمن القومي التركي، حيث قد تنقلب تلك الجماعات مع الجيش الكردي التركي المسلح ضد أنقرة، أو أن أفضل طريق للدفاع هو أن تقوم تركيا بجيشها الرسمي بالتدخل في الشريط المحاذي على الأقل لحدودها مع سوريا وهي تهيئ لذلك الآن، وبهذا تفتح جبهة جديدة، لا قبل لنظام الأسد من جهة بمواجهتها، ولا تستطيع أي دولة أن تمنع تركيا من ذلك، كون مجالها الحيوي قد تهدد.

إذا أضفنا إلى ما تقدم أن هناك قناعة دولية، أن هذا الإرهاب، وبالذات بتكوينه وطبيعته الحالية في سوريا والعراق، هو ناجم أساسا عن الوهن الذي أصاب الدولة السورية، كونها اختارت محاربة شعبها، وأطياف المجتمع بالطريقة التي تعرفها وهي القمع والصلف، بدلا من تقديم تنازلات سياسية، ووفر ذلك فراغا تسبب في ظهور قوى الإرهاب، وليس من المحتمل عقلا والأمر كذلك، أن يساعد أحدا على تأهيل من سبب المشكلة في الأساس، فبجانب ملايين من اللاجئين السوريين في دول الجوار، الذين يشكل وجودهم في بعضها عبئا ماليا ضخما، وفي بعضها الآخر تهديدا للأمن الداخلي. كما في الأردن أولا وفي لبنان ثانيا، لقد أصبح النظام السوري خارج إمكانية الجبر أو التأهيل بالمطلق.

جزء كبير من علاج ظاهرة الإرهاب في ثوبها الداعشي، وما سواه هو التخلص من نظام دمشق كما هو، وتركيب نظام بديل كليا، سواء برضا الأطراف الإقليمية، بما فيها طهران، أو حتى بعدم رضا طهران المعلن على الأقل، تلك قناعة استقرت لدى النظام العالمي، ومن هنا جاءت أربعون دولة للانضمام للتحالف. في حال وقوف طهران ضد الرغبة الدولية، أو محاولة الدخول في مقايضة أو صفقة، فمهما كان التنازل المقدم من الأطراف الدولية، صغيرا أو كبيرا، فإن المقابل لا بد أن يكون تغييرا في تركيبة ووجوه النظام في دمشق. قبول طهران بالتغيير الذي حصل في بغداد يشي بأنها تستطيع أن تهضم أيضا تغييرا في دمشق على المنوال نفسه، وبتوليفة جديدة، أو تضطر للمواجهة الدولية التي ستكون أكثر شراسة ولا يستطيع النظام الإيراني سياسيا أو اقتصاديا أن يتحمل ثمنها. عدا تحقيق الهدف النهائي من هذه الحملة الدولية على الإرهاب وهو تحقيق تغيير في دمشق، فإن كل الجهود المبذولة قد تكون تبديدا في الوقت والمال والمجهود لا طائل من ورائه، وتعريض المشاركين في الحملة من القوى الإقليمية إلى مخاطر، حتى لو كان القضاء على (داعش) قد تم. وعليه فإن عيد الأضحى القادم سيكون في دمشق المحررة.

آخر الكلام:
من صلافة خطاب وليد المعلم في الأمم المتحدة، تحسره على السبايا من النساء، وهو لو نظر إلى النساء في سجون نظامه، لوجد أن حالتهن أنكى، ولكن يقال: إذا لم تستحِ، فقل ما شئت!

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/194286