غياب المشروع العربي

آراء

في غياب المشروع العربي، تنصلت القضايا الكبرى من مبدئها، وتحولت إلى شذرات ونثار في وسط الطريق. الآن ونحن في خضم المعترك الوجودي، أصبح كل من يريد أن يرفع عقيرته أن يفعل ما يشاء، ولا يخاف لومة لائم، فلا من حسيب ولا من رقيب، لأن المياه ساحت، والتهمت اليابس والأخضر، ولم يعد هناك من يقف في وجه المنحرف والمتطرف والمخرف والمجدف. الأشياء تدخل في بعضها، والتناقض وصل إلى ذروته.

في موضوع اليمن، نجد العرب من يقف متفرجاً ويصفق للغالب، ومنهم من يتوعد وينتظر، ماذا تسفر عنه النتائج، وبقي الذين يناضلون من أجل الحقيقة صامدون في وجه البغي والطغيان، المشكلة في هذه القضية المحورية، أن بعض العرب يعتقدون أن الحرب الدائرة هناك، هي بين الحوثيين والحكومة الشرعية، فغضوا الطرف عن الحدث وانتظروا لما تكون الغلبة، ليصففوا للغالب ويلعنوا المغلوب. ونقول لهم: لا يا سادة، انتبهوا وامسحوا الغبار عن المرايا، فالأمر لا يتعلق بالحوثيين، كفئة ضلت الطريق، بل إن الحوثيين هم أداة طاحونة كبيرة، هم مخلب لكائن عدواني يريد أن يتغذى على ضعف الآخرين، ويكبر على حساب ما يحصل بينهم من خيانات وتفريط بالمبادئ الوطنية والقيم الإنسانية، هذا الكائن التاريخي الذي يحمل من موروثات اللاشعور، وعدائه لكل ما هو عربي، هو إيران التي لم تعرف يوماً للجيرة حق، ولا للعلاقات بين الدول، إيران التي تريد أن تكون دولة عظمى، وللأسف من دون مقومات القوة. ونحن إذ نتحدث عن القوة، فللعرب قوة لا تقارن بأي قوة إقليمية، ولكن هذه القوة غائبة ولم تحضر، حيث نسي العرب منذ زمن بعيد كراسة الواجبات، وظلوا يبحثون عن الأعذار، متملصين من الحقيقة، والحقيقة تقول إن قوة العرب في تماسكهم وتعاضدهم، وفهمهم لمتطلبات المرحلة التي يعيشون فيها، لا نطالب أحداً بالوحدة العربية، على غرار ما كان يطرح في سابق الأحلام، لأننا نعرف «البئر وغطاه»، وإنما كل ما نتمناه، أن يكون هناك مشروع عربي يجمع العرب على القضايا الجوهرية التي تمس الوجدان العربي، وجغرافيته وتاريخه وثقافته وهويته. نريد الممكن، ولا نطلب المستحيل، ولو عرفت إيران وغيرها، أن هناك حسم ولا مجال المساومة حوله في السيادة، لما تجرّأت في التحدث جهاراً نهاراً عن العرب وباسمهم، وهي الدولة الأولى في العالم تمارس السطو والانتهازية والاستيلاء على حقوق العرب ومصائرهم في ديارهم، ولما تحدثت إيران عن الحوثيين كناطق رسمي لهذه الجماعة، ولما وجدنا حسن نصرالله يتشدق بإيران، وكأنها المخلص للبنان وغير لبنان من عذابات الظرف التاريخي المؤلم الذي يمر به هذا البلد الشقيق، لن تفكر إيران وغير إيران، في الاقتراب من حياض العرب، لو شعرت هناك من يعرف كيف ينتزع حقوقه من فك الضواري، وإيران تعرف أن العالم لا يستمع إلا إلى طرقات الأكف الثقيلة. لو فكر كل العرب بما انتهجته الإمارات من سلوك سياسي واع ويقظ، لما ذهبت الرياح بالقمح، ولا أدمت الجرح.

المصدر: الاتحاد