ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

فائزون حقيقيون

آراء

حين تعلن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية كل عامين، عن أسماء الظافرين بجائزتها، فنحن ندرك أننا أمام جائزة مختلفة من نوعها، لكونها ليست تقديراً لعمل فكري أو إبداعي واحد، بل هي لمجمل أعمال الفائز، وهذا ما يميز المؤسسة في جائزتها عن الجوائز الأخرى. ليأخذنا الإعلان إلى قراءة المنتج الكامل لهؤلاء المبدعين من المفكرين والأدباء، لا وهج عمل جزئي واحد، كبقية الجوائز.

ولأن من أهداف الجائزة، النهوض بالفكر من خلال الأدب والعلوم والمجالات الأخرى، فإن الشاعر اللبناني شوقي بزيغ، كان جديراً بجائزة العويس في حقل الشعر، فمن يقرأ له، يجد بين نصوصه، كيف يغرس التراث المسيحي والإسلامي في بستان شعره، وبأسلوب صوفيٍ شفاف، لاقتناعه بأن الصوفية في الشرق، هي الطريقة الأسلم لنجاة هذا الإنسان للوصول إلى ربه دون شوائب، فنشهد مقته الطائفي إلى أبعد مدى، فيما يكرس بقية أعماله باقتفائه أثر الحقيقة عن طريق الأنثى والجمال والنباتات والأصوات… بشاعرية ساحرة، يستحق أن نقرأهُ جميعاً، إن أردنا أن نُهذب أرواحنا.

أما في حقل القصة والرواية والمسرحية، فقد تم اختيار الأديبة والروائية هدى بركات، اللبنانية التي هاجرت بلدها إلى فرنسا، لتصبح مواطنة فيها، وتكرمها حكومتها الفرنسية، ومع ذلك، أبت أن تكتب بغير العربية، وقد نوعت أعمالها بين القصة والرواية والمسرحية، لتمر قبل مرورها بجائزة العويس الثقافية، بجوائز أخرى كجائزة «مان بوكر» العالمية الخاصة بالروايات المترجمة، والتي دخلت قائمتها برواية حجر الضحك، وهي الحكاية التي خاضت فيها بعمق المتقصي والباحث العميق، بالانسجام مع الواقع، لتغوص في الحرب اللبنانية الأهلية، وما خلفته من دمار. هذا وأن مجمل رواياتها تتميز بالاحتراف عن الإنسان، وما يعتريه في وطنه.

أما الفائز العراقي عبد الخالق الركابي، أستطيع أن أقول إنه ثروة أدبية، فرواياته المتقنة، والتي أجاد في تخييلها بلغته العالية، قام بعزفها في إطار الأدب والتاريخ، رغم هروبه مما يسمى بهذا التاريخ المحسوس، لينتصر للخيال في مجمل أعماله الإبداعية الرائعة.

ولأولئك الأكاديميين الذين قبعوا خلف مكاتبهم سنوات من عمرهم، فقد تم اختيار أعمال التونسي حمادي حميدة صمود، الذي أغنى عالمنا بكتبه النقدية عن الأدب العربي، من خلال نظرياته الشعرية في التراث العربي، وتجلياته في الخطابة النقدية والبلاغة، ليقدمها بقوة للقارئ العربي.

وأخيراً، لم تتصدر جائزة الدراسات المستقبلية، سوى لجورج قرم، وهو رجل اقتصاد ومؤرخ وسياسي… أغلب دراساته السياسية، تصب في النقد، بينما مؤلفاته الأخرى، فإنها تمثل الثقافة والتراث العربي، ورغم أنه تربى على الثقافة الفرنسية العميقة، فإنه ترك منهجه الفرانكفوني الطويل إلى الاهتمام بالنهضة العربية، بعد معايشته التجربة الناصرية التي ألهمته لتأليف ما لا يحصى للمكتبة العربية.

في النهاية، نجد أن هذه المؤسسة العريقة، قد ركزت على كل فائزٍ انتصر للحقيقة، ونهض بفكرة الإنسان والوطن والتراث والثقافة العربية.

المصدر: البيان