فتنة قطر.. بين الأميركان و«الإخوان»

آراء

هل باتت قطر بسياساتها وساستها إشكالية مزمنة في الجسد العربي عامة والخليجي منه بنوع خاص سيما بعد التصريحات الأخيرة للأمير تميم عن العلاقات مع إيران، ورؤيته السلبية لجيرانه من دول الخليج، عطفاً على التصريح لا التلميح بالعلاقات الجيدة مع إسرائيل؟ ربما ما خفي عن البعض، وهو مكشوف ومعروف بلا شك لجموع الباحثين المحققين والمدققين في الشأن القطري، كان أكثر هولاً، سيما ما يتصل بعلاقات قطر بالإرهاب الدولي «القاعدي» و«الطالباني»، وصولاً إلى «الداعشي»، والأدوار القاتلة التي لعبتها ولا تزال في دعم الإرهاب حول الشرق الأوسط. هذه القراءة ليست نصاً إنشائياً لتوصيف أبعاد الأزمة القطرية وتبعاتها واستحقاقاتها، وإنما هي بحث معلوماتي مدعوم بالحقائق والأدلة والأرقام، عن الدولة صغيرة الحجم، ذات الكوادر المحدودة للغاية، والتي خيل إليها أنها قادرة على صياغة شكل المنطقة، ما أدى إلى أزمتها الراهنة، وهي حكماً أزمة عاصفة لها أن تقتلع أعمدة خيمتها.

قاعدة الانشقاق العربي

في كتابه «قطر… إسرائيل الصغرى ورأس الأفعى» يرصد الكاتب والباحث المصري الأستاذ «بلال الدوي»، الأدوار الخطيرة التي لعبتها قطر منذ انقلاب «حمد بن خليفة» على أبيه عام 1995، وعنده أنه من يومها وقطر تختار لنفسها طريق التحالف مع الشيطان، بل والنوم في فراش الشيطان نفسه لتخسر نفسها وتخسر أشقاءها العرب، وتكسب ود شيطان هدفه تدمير الأمة العربية بأكملها.

عبر أي طريق سعت قطر كي تخسر ذاتها وتخسر أشقاءها العرب من حولها، لتتحول اليوم إلى دولة معادية لجميع محيطها العربي، ساعية فقط لرضى إسرائيل وتركيا وإيران؟

مؤكد أن الجواب يدور في فلك المال والإعلام. تعمل قطر منذ أكثر من عقدين كحجر عثرة في المنطقة، والأحداث والتاريخ شاهدة على ذلك. خذ إليك بداية تذرعها بإشكاليات الحدود الجغرافية مع المملكة العربية السعودية، الأمر الذي دعا لخلو منصب سفير السعودية في قطر في الفترة من 2002 إلى 2007. قطر عينها هي التي دعمت ولا تزال المجموعات الشيعية التي تعمل وفق الأجندة الإيرانية في البحرين الشقيقة. أما عن الإمارات العربية المتحدة، فقد كانت قطر ولا تزال تشعر بغيرة قاتلة تجاه نهضتها الإنسانية والمادية، ولهذا كانت تبادر إلى تصدير من يهاجمها في محاولة فاشلة للانتقاص من وزنها.

فعلت ذلك عشية 30 يونيو من عام 2013 عندما صدّرت، رأس فتنة «الإخوان المسلمين» لديها الشيخ «يوسف القرضاوي»، لمهاجمة الإمارات بعد دعمها مصر، ووقوفها وقفة جادة مع الشعب المصري الذي ثار ضد حكم «الإخوان» الثيوقراطي في البلاد. لم تترك قطر الفلسطينيين في حال سبيلهم، بل عمقت الشرخ بين السلطة الوطنية و«حماس» بدعمها حكومة الأخيرة في عام 2006، أي «الانقلاب الحمساوي» على السلطة الوطنية في غزة. السؤال الحقيق بالبحث عن جواب له… هل التخبط القطري الأخير سببه ومرده الرئيس فقدان قطر لأبعاد الدور الذي كان مرسوماً لها، ولهذا تمضي على غير هدى، ومن دون أضواء كاشفة على الطريق؟

قطر والحقبة الاستعمارية الجديدة

أفضل من قدم جواباً شافياً وافياً على المشهد الحالي القطري المرتبك، بل والآخذ في الانهيار هو الكاتب والباحث الفرنسي الشهير «تيري ميسان»، والذي اعتبر أن الدور القطري كان يصب منذ بدايات ما أطلق عليه «الربيع العربي» في خانة المصلحة العليا لحقبة جديدة من الاستعمار مبنية على صفقة سرية بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

أما عن الإخوان فقد كانت مهمتهم أسلمة شمال أفريقيا والمشرق العربي بالقوة، وبالنسبة لواشنطن كانت الأصولية الإسلامية المفتاح اللازم لتخريب روسيا والصين من الداخل في جولة قادمة، وبالنسبة لإسرائيل كانت قطر تحقق لها أكثر مما كان يطمع فيه أو يطمح إليه بن جوريون نفسه، بمعنى انهيار العالم العربي لا سيما دوله المركزية من جهة، عطفاً على تفكك وتفتت الجيوش العربية، إضافة إلى التطبيع الشامل والكامل واختراق إسرائيل للمجتمعات العربية والإسلامية، وهذا ما أكده «القرضاوي»، الأب الروحي للعائلة المالكة في قطر حين صرح ذات مرة بالقول: «إنه لو كان النبي محمد حياً اليوم، لعاش بسلام مع الإسرائيليين وقدم الدعم للناتو». يعنُّ لنا أن نتساءل ما الرابط بين الإسرائيليين والقطريين من جهة وبين «الإخوان المسلمين» والقطريين من الناحية الأخرى؟

علاقات مريبة من الدوحة إلى تل أبيب:

لكي نسبر أغوار العلاقات بين تل أبيب والدوحة علينا البحث في أضابير الاستخبارات الدولية، وكتب ومراجع شهود حقيقيين على القصة من ألفها إلى يائها، وفى المقدمة من هؤلاء كتاب الدبلوماسي الإسرائيلي «سامي ريفيل»، والمعنون «إسرائيل على جبهة الخليج العربي»، والصادر عن مؤسسة «يديعوت أحرونوت»، وقدم له الأستاذ محمد البحيري الكاتب المصري ترجمة تحت عنوان «قطر وإسرائيل ملف العلاقات السرية». الكتاب الذي يقع في نحو ثلاثمائة صفحة والمليء بالأسرار والمفاجآت، يدور حول مفهوم واحد، مفاده أن قطر لعبت، ولا تزال دور «حصان طروادة» لإسرائيل للدخول إلى العالمين العربي والإسلامي، وهو دور مدفوع الثمن لقطر. ماذا عن ذلك الثمن؟ الأمر يتصل بنقطتين مركزيتين، الأولى هي أن ارتباط صعود أمير قطر حمد بن خليفة الذي انقلب على والده عام 1995 ودعمه كان المسار الأول المتفق عليه بين واشنطن وتل أبيب والدوحة لاستخدام قطر كرأس حربة للتطبيع، والأمر الثاني هو الادعاء بأن الضغوطات التي مارستها مصر على قطر لكبح جماح علاقاتها المتسارعة باتجاه إسرائيل كانت ترجع إلى قلق مصر على مكانتها الإقليمية من الناحية السياسية، وخوفاً من أن تفوز قطر بصفقة توريد الغاز لإسرائيل بدلاً من مصر.

«سامي ريفيل» في كتابه يبين لنا الاختراق الإسرائيلي للعاملين في الديوان الأميري القطري وكبار المسؤولين القطريين منذ أكثر من عشرين سنة، ويتحدث عن صعوبة نسج العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه، لولا الصحبة والمساعدة التي حظي بها من مسؤولين كبار في قصر الأمير ووزارة الخارجية القطرية وشركات قطرية رئيسة، وأولئك الذين فتحوا بيوتهم وخيامهم أمام الإسرائيليين على حد تعبيره.

ولعل المثير في اعترافات «سامي ريفيل»، هو النظرة التي ترى بها إسرائيل قطر، إذ يعتبر أن ثمة خصوصية ميزت إمارة قطر، خصوصية تدور حول خزائن قطر الممتلئة بالذهب، والتي مكنتها من لعب دور لافت في منطقة الشرق الأوسط بما يتعدى أبعادها الجغرافية وحجم سكانها، بل أكثر من ذلك، إذ يلمح الكاتب إلى أن علاقات قطر بإيران، وهو ما تحدث عنه الأمير تميم مؤخراً، ربما تكون علاقة جيدة للوقوف في وجه التحالفات العربية القومية، انطلاقاً من أن هناك حلفاً للمصالح المشتركة ينطلق من طهران مروراً بتل أبيب وصولاً إلى واشنطن، وهذا الحلف الذي تناوله الكاتب والأكاديمي الإيراني الأصل الأميركي الجنسية «تريتا برزي»، في كتابه الشهير «حلف المصالح المشتركة»، وها هي قطر الآن تعلن أبعاد دورها من الدوحة إلى تل أبيب مروراً بطهران.

الدوحة في حضن «الإخوان»

تأصيل العلاقة بين «الإخوان» ونظام الحكم في الدوحة يحتاج إلى مؤلف قائم بذاته، إذ يعود المشهد إلى أوائل الستينيات، وبخاصة بعد خلاف جمال عبد الناصر في مصر مع جماعة «الإخوان»، والذي امتد واشتد لاحقاً، حين هاجر عدد من كبار قادة الجماعة في مصر إلى بعض دول الخليج، وكان لقطر نصيب من الأسماء الكبرى التي يوردها الزميل «بلال الدوي»، في كتابه السابق الإشارة إليه، مثل القرضاوي، وكمال ناجي، وحسن المعايرجي وعبد الحليم أبو شقة وعز الدين إبراهيم. ولعل الخطورة الحقيقية لهؤلاء هي أنهم لعبوا دوراً ما عرف لاحقاً في الغرب بـ«مراكز الفكر»، التي تقود الحكومات والمؤسسات الكبرى، عبر تصدير الأفكار، وأدلجة المجتمع والناس، ولهذا عمد هؤلاء في وسط القطريين البسطاء المجبولين علي الدين الفطري إلى إقامة الدروس الدينية والحلقات التعليمية في المساجد والمحاضرات العامة، ولعبوا دوراً كبيراً في إنشاء وزارة التربية والتعليم وصياغة المناهج التربوية والتعليمية في البلاد، واختيار أعضاء هيئات التدريس، وبذلك بدأ الاحتلال والاختراق الفكري «الإخواني» لقطر منذ عام 1960 تحديداً. استخدم «الإخوان» المصريون نفس منهجية التجنيد في تكوين عقلية «إخوان» قطر، دون أن يشعر القطريون أنهم منساقون وراء أكبر كارثة ستصيبهم.

عمد إخوان مصر في قطر إلى مناهج تربوية تعود إلى زمن الدعوة الأولى، والعيش مع الطبيعة البدوية في الجزيرة العربية، وذلك عبر الرحلات والمخيمات والمعسكرات وكل أشكال المناشط التي كانت تتم بشكل مدبر ومحكم من «إخوان» مصر، وينساق وراءها القطريون بحسن نية، وغالباً ما كانت تلك الرحلات والمخيمات أوقاتاً ممتازة لغسيل المخ عبر إلقاء الدروس، والأحاديث على الشباب القطري الذي بلغ الخمسينيات منذ عقدين والسبعينيات الآن، وفرخ من ورائه أتباعاً للإخوان المسلمين قائمين على منهجية السمع والطاعة، وولدت مجاميع من الشباب القطري تشعر بألفة ومودة فئوية ورفقة سيكولوجية ونشأت على كتابات سيد قطب وفتحي يكن، وغيرهم من الإخوان الفارين إلى هناك، ليضحوا إخواناً دون أن يشعروا وليرضعوا كراهية غير مسبوقة لمصر والمصريين، كراهية تجلت لاحقاً في احتضان «الإخوان» في الدوحة بعد انكسار المشروع «الإخواني» في مصر عام 2013، بل العمل كذلك على تهديد الأمن القومي المصري إلى أبعد حد ومد.

العداء القطري لمصر

لماذا تكن قطر مثل تلك العداوة لمصر؟ وهي في الواقع عداوة تعود إلى ما قبل ثورة يناير 2011، فقد عانت مصر طويلاً من مناكفات ومشاغبات قطر منذ 1995 وحتى الساعة.

هل هي عقدة الدونية تجاه مصر الشقيقة الكبرى للعالم العربي مهما كانت أوضاعها الاقتصادية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الدول العظمى ذاتها تشهد دائماً صعوداً وهبوطاً في أوضاعها المالية والاقتصادية؟ هل هي ثارات تاريخية لإخوان قطر في محاولة للاقتصاص من مصر عبد الناصر التي أذاقت «الإخوان» الهوان من جراء اكتشاف مخططات خيانتهم؟ الأسئلة عديدة، والمشهد قائم منذ وصول حمد إلى إمارة قطر، فقد تحولت الدوحة عبر أذرعها الإعلامية والمالية، واستجلاب أنساق فكرية، أداة لهدم العالم العربي عامة، ومصر بنوع خاص.

منذ عام 2006، أي في توقيت مواكب لظهور نغمة «الفوضى الخلاقة» التي روَّج لها «المحافظون الجدد» الذين حوّلوا العالم العربي إلى قطعة مشتعلة من النيران، بدأ الدور الاختراقي القطري للعالم العربي والإسلامي واضحاً كل الوضوح. في تلك الفترة شهدت الدوحة ما عرف بـ«منتدى المستقبل»، وقد حامت من حوله الشكوك الكثيرة، ووصفته عقول عربية مشهود لها بالكفاءة والوطنية من عينة الدكتور عبد العزيز الدخيل الاقتصادي السعودي المعروف بأنه مؤامرة أميركية على الدول العربية تحت ستار «الحريات وحقوق الإنسان ونشر ثقافة التغيير»، ولا يعدو مخططاً قطرياً أميركياً يعد في هدوء قوامه التحفيز على الإصلاحات ودعم ما سمي مؤسسات المجتمع المدني. أفرز هذا المنتدى خطة كانت هي قوام ثورات «الربيع» المزعوم، بتنسيق إخواني أميركي إسرائيلي توزع فيه المهام كالتالي:

قطر تعمل على جانب «الإخوان»، والولايات المتحدة تعمل على جانب الشباب ومنظمات المجتمع المدني باستعمال أدوات الإعلام الحديث والاتصال الإلكتروني من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتطويعها لمصلحة ذلك المخطط. وتضمنت المهام القطرية مشروعين: الأول: مشروع النهضة «الخاص بالإخوان»، والثاني: مشروع «أكاديمية التغيير»، الذي يديره «الإخوان» أيضاً، وهذه الأكاديمية افتتحت في لندن أولاً، ثم انتقلت إلى الدوحة، ومنها كانت البداية ولا سيما ما يتعلق بمصر، إذ إنها قامت بتدريب واستغلال أعداد كبيرة من الشباب المصري الذين برزت أسماؤهم في إطار ثورة 25 يناير والمنتمين بأغلبهم إلى حركة 6 أبريل أشهر الحركات التي ظهرت على الساحة المصرية مع بدء التظاهرات والاحتجاجات. السؤال الحيوي… لماذا لم يكن للشباب القطري نصيب من المشاركة في تلك الأكاديمية؟

الجواب لأن اختصاصها ومهمتها وهدفها كان تدريب شباب البلدان العربية فيمن تريد قطر نشر الفوضى والتخريب فيها، ولا سيما منها دول الثقل العربي كمصر وسوريا والإمارات والسعودية والعراق وليبيا واليمن، أي أذرع استخدمتها قطر في تأليب شعوب المنطقة بعضها على بعض؟ بالطبع ناهيك عن كنوز الذهب التي أشار إليها «سامي ريفيل» يبقى رأس الأفعى المعروف بقناة الجزيرة… ماذا عن تلك القناة وعن نشأتها وأدوارها الكارثية؟

الجزيرة من قطر أم قطر من الجزيرة؟

من بين كل الخطوات الدراماتيكية التي بادر إليها الأمير القطري الجديد بعد توليه الحكم عام 1995 كان إطلاق قناة الجزيرة الفضائية التي بدأت بثها في 1 نوفمبر 1996… هل كان الاسم يحمل دلالة ما؟ أغلب الظن أن الاسم لم يكن من بنات أفكار القطريين، بل إن الاسم جاء في سياق مخطط أوسع يخدم الدور القطري والاسم من نتاج عقول غير قطرية بالمرة، فقناة الجزيرة كأنها نبوءة تحقق نفسها بنفسها بمعنى أنها تسعى لأن تتسيد قطر المشهد في شبه الجزيرة العربية رغم الدول الخليجية الكبرى هناك.

جاء الاسم ليعبر عن نبوءة قادة قطر لوضع الإمارة في مقدمة المنصة والتأثير على مستقبل الخليج العربي والشرق الأوسط بأكمله، عن طريق جعل الجزيرة أكثر القنوات العربية تفاعلاً وحرية بالعالم العربي.

كثيرة هي الروايات حول نشأة الجزيرة، وحتى إن لم نقطع بالصحة المطلقة لأي منها، إلا أن جميعها تذهب في طريق واحد، تأصيل وتعميق الخلافات بين العرب بعضهم وبعض كدول، وبين الشعوب الواحدة وحكوماتها والكارثة أن المنفعة الوحيدة تصب في صالح إسرائيل.

خذ إليك رواية «تيري ميسان» الصحافي الفرنسي صاحب كتاب «الخديعة الكبرى» عن الحادي والعشرين من سبتمبر 2001.

يقول: «كان وراء تأسيس الجزيرة أخوان فرنسيان يحملان الجنسية الإسرائيلية، هما دافيد وجان فريدمان، كان الهدف بعد اغتيال صديقهما إسحق رابين، والرواية لدافيد فريدمان خلق مجال يستطيع أن يتحاور عبره الإسرائيليون والعرب بحرية ويتبادلون النقاشات ويتعرفون بعضهم على بعض باعتبار أن حالة العداء والحرب تمنع مثل هذا، وبالتالي تقضي على الأمل بالسلام.

ومهما يكن من أمر التأسيس، فإن فتنة الجزيرة مضت إلى أبعد حد ومد، وأسوأ مثال على دورها القاتل ما جرى في شهر أكتوبر من عام 2000 خلال «انتفاضة الأقصى» عندما سعى «أرئيل شارون» إلى دخول المسجد الأقصى عنوة، وفى ذلك الوضع دعا كثيرون في المنطقة إلى الجهاد ضد إسرائيل.

على هذه الخلفية قدمت الجزيرة حلقة من برنامج «الاتجاه المعاكس»، وكان حوار الحلقة يتمحور حول السؤال التالي: «هل ينبغي على الحكام العرب أن يسمحوا لرعاياهم بتنفيذ أعمال الجهاد ضد إسرائيل؟».

كان الجو المحيط والموضوع المثير للخلاف الذي اختاره البرنامج والمذيع المعروف بميوله للاستفزاز والتحريض والإثارة تسببت في دخول المتحدثين بالبرنامج في معركة صوتية.

قطر.. لماذا تدعم الإرهاب والإرهابيين؟

مؤخراً، أوردت مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية، والصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك تلك المؤسسة العريقة، ملفاً كبيراً تحت عنوان «الاتهامات ضد قطر لا تحصى… لكن عينة منه ترسم صورة كافية». بحسب التقرير فإن قطر جعلت زمن «الربيع العربي» فرصة لنشر التطرف، بتمويلها لجهود الإخوان المسلمين ورئاستهم في مصر، ثم بمحاولتها إلحاق الضرر بشرعية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن تخطيطها لدور الممول في ليبيا وسوريا لتسلح جماعات متطرفة في البلدين بشكل مباشر في تناقض مع السياسات الأميركية في كلتا الأزمتين.

أكبر فضيحة كشفت ارتباط قطر بالإرهاب و«الإخوان» دفعة واحدة، تمثلت في محاولات قطر الحصول على وثائق الأمن القومي المصري، خلال عام حكم محمد مرسي، المعروف بالجاسوس المعزول، وقد كان دفاع قطر وقناة الجزيرة المستميت عنه داعياً للتأمل والتساؤل لماذا؟

كانت قطر ولا تزال تدعم رئيساً مشكوكاً في أحقية وصوله للسلطة عبر تزوير انتخابات على غير إرادة جموع الناخبين المصريين، رئيساً مزوراً ومعزولاً من شعبه، على الرغم من أن معظم دول العالم وأجهزة مخابرات دولية كثيرة كانت تعلم علم اليقين، بأن رئيس مصر متحالف مع الإرهابيين، وخير دليل على ذلك التحذيرات التي أطلقتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لـ«مرسي» حينما قالت له: «إننا نحذر من تصاعد دور الإرهابيين الذين تتحالف معهم الموجودين في ثمانية معسكرات في سيناء.

عرف محمد مرسي بأنه أغبى جاسوس في العالم، ذلك لأنه قام من فوره، وبعد تحذيرات ميركل له بإجراء اتصال هاتفي مع أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة»، وقال له ما نصه: «خفوا اللعب شوية».

في هذه الأثناء كانت المخابرات الألمانية ترصد كل المكالمات، فقامت باعتراض المكالمة وسجلتها، وأرسلتها للمخابرات المصرية. أما «أنتلجنس أون لاين» الفرنسية، الذراع المدنية لجهاز الاستخبارات الفرنسية، فيؤكد مؤخراً على أن قطر وبمساعدة من تركيا عملت على إدخال نحو خمسين ألف مقاتل إلى سوريا.

ماذا أيضاً؟

هناك كذلك الدور القطري المشؤوم في ليبيا، والذي يحتاج إلى صفحات مستقلة، سيما أن بداية المؤامرة جرت بها المقادير عندما تم الاستعانة بعبد الحكيم بلحاج، وهو شقيق أبو يحيى الليبي الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، وبلحاج أحد القيادات النشطة في «الجماعة الليبية المقاتلة»، وهي جماعة مسلحة ذات فكر تكفيري مستمد من سيد قطب تنادي بإسقاط الأنظمة التي تعتبرها كافرة بالسلاح وتعتبر المجتمعات العربية كافرة والسؤال: كيف صنعت قطر عبد الحكيم بلحاج؟ أو يمكننا القول كيف صنعت قطر «عبد الحكيم بن حمد بن خليفة بلحاج»، كما يطلق عليه مواطنو ليبيا؟ فيما الإرهاب القطري في مصر بدأت فصوله مبكراً، إذ أشارت عدة وثائق كشفها موقع ويكليكس وتعود إلى العام 2011، وتحديداً في 21 أبريل منه، عن مخططات قطر لضرب استقرار مصر بعنف باستخدام قناة الجزيرة التي ستلعب الدور المحوري في تنفيذ هذه الخطة، وذكرت الوثائق وخاصة وثيقتين: الأولى: تحمل رقم 432 بتاريخ الأول من يوليو 2009. الثانية: تحمل رقم 677 بتاريخ 19 نوفمبر 2009، وأكدت الوثيقتان أن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم قال في لقاء مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين: «إنه مع خروج أول مصري إلى الشارع سيكلف قناة الجزيرة ببث كل ما يزكي إشعال الفتنة، ليس فقط بين المصريين والنظام، ولكن بين المصريين بعضهم وبعض.

الخوف والدونية عقدة قطر الكبرى:

ما الذي يجعل أمير قطر يتحدث على ذاك النحو المنفر لكل توافق عربي أو خليجي الأيام المنصرمة؟

السؤال في واقع الأمر أبعد من ذلك بكثير والأصح أن يقال: «لماذا حرصت قطر طوال العقدين الأخيرين على التواصل مع الحركات الإسلامية المتطرفة لا سيما «الإخوان» و«حماس»؟ ولماذا تعمل جهراً وسراً على دعم الإرهاب والإرهابيين؟ يمكن تحليل المشهد القطري بصورة علمية موضوعية، فبداية تسعى قطر لأن يكون لها مكان تحت شمس الخليج الحارقة، دور أكبر من صغرها الجغرافي وضآلة حضورها التاريخي، ومحدودية طاقاتها الإبداعية، وهذه عناصر لا تقدر على شرائها عوائد النفط أو الغاز.

تريد قطر أو بالأصح أرادت، بعد أن انتهى دورها، أن تبدو في مشهد القادر على لعب دور الوساطة في منطقة معقدة تاريخياً لا سيما على صعيد ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه فقد لعبت على المتناقضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين سائر الدول الخليجية والعربية، وإسرائيل من ناحية أخرى.

قطر.. بداية الانهيار:

أحد أفضل العقول الغربية التي تؤكد على أن الدور القطري الحالي آخذ في الأفول، وأن نجم قطر يخبو رويداً إلى أن يتلاشى هو البروفيسور «كريستيان كوتي أولريشن» زميل الشرق الأوسط في (معهد بيكر للسياسة العامة) في جامعة رايس، وصاحب المؤلفات المختلفة حول دول الخليج العربي.

في كتابه الأخير «قطر والربيع العربي» يشير إلى انهيار الدور القطري في الشرق الأوسط، بعد أن كانت الدوحة هي «النجم الصاعد» في سماء المنطقة بعد 2011. أظهرت التطورات التي حدثت في ربيع العام 2013 مدى تراجع النفوذ القطري، ليس في سوريا وحسب، بل أيضاً في أرجاء الشرق الأوسط كافة، ففي الدوامة الناجمة عن الصدام بين سلطة النظام القديم الراسخة، وبين العديد من المجموعات الجديدة الناشئة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، أصبح واضحاً أن ما من لاعب واحد يستطيع أن يتحكم بوتيرة الأحداث أو باتجاهها، كما كشفت الصراعات السياسية المطولة بحسب البروفيسور «كريستيان أوريكسن» والمعقدة التي طبعت مشهد ما بعد الربيع العربي، عن حدود قدرات قطر.

الرواية القطرية من بداياتها تذكرنا بقصة الشاعر الفرنسي الشهير «جان لافونتين» عن الضفدع التي رأت ثوراً بدا لها في أحسن قوام، ومع أنها لم تكن في حجمها أكبر من بيضة فقد استبد بها الحسد والغرور، فراحت لتكون في مثل حجمه، عن طريق الانتفاخ ثم الانتفاخ إلى أن انفجرت… هل آفة قطر نسيان حجمها؟

المصدر: الاتحاد