عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

في المفاوضات: حكم الأسد مؤبد

آراء

ضمن مشروع الحل السياسي الذي يتم تداوله لإنهاء الحرب في سوريا، يصر الروس والإيرانيون على بقاء بشار الأسد، متعهدين للمعارضة رئيساً فقط لما تبقى من فترة حكمه الحالية «احتراماً للدستور»، مع تشكيل حكومة تمثل فيها القوى المعارضة، ووعود بصلاحيات مستقلة للأقاليم والمحافظات.

ومن يسمع هذا العرض المغري سيقول إن كان هذا هو الشرط للسلام فمرحباً به، وبالفعل لا يبدو بقاء الأسد ثمناً مستحيلاً لو وُجد من يَضمن تنفيذ التعهد.

توجد فيه علتان، الأولى، أن الرئيس أجرى الانتخابات وربحها، ولا أحد يعرف كيف، خاصة أنها نفذت وسط الحرب الأهلية الرهيبة في منتصف عام 2014، فكيف سيتم إخراجه عندما يستتب له الحكم بالكامل وتنزع أسلحة المعارضة؟.

والعلة الثانية، أن موعد نهاية رئاسة الأسد بعيد جداً، 2021، أي سيحكم اربع سنوات أخرى، وهي طويلة وأكثر من كافية يقوم فيها بتصفية كل القوى المعارضة وشبه المعارضة.

الاقتراح الروسي الإيراني لبقاء الرئيس المؤقت، هو في الواقع حكم مؤبد، وعلى المعارضة أن تدرك أنها إن رضت به عليها التخلي تماماً عن كل شيء، وألا تحلم بما كانت تطالب به في السابق، ولا بشيء مما توعد به في المستقبل من حكومة مختلطة، وضمانات دستورية، وقوانين مستقلة للمحافظات.

ولو أن الوعود بضمانات دولية صادقة، مع انه يستحيل تصديقها، بأن السنوات المقبلة ستكون مرحلة تصالح وتصحيح وانتقال في الحكم، لقبلت بها القوى المعارضة المعتدلة فهدفها لم يكن تدمير البلد والدولة، بل التغيير السلمي.

فقد بدأت الانتفاضة سلمية، واستمرت عدة أشهر تعارض فقط بالمظاهرات واليافطات والأغاني، كانت ثورتها سلمية، مختلفة عن انتفاضة تونس وليبيا وحتى مصر. حتى فكرة بقاء الأسد رئيساً بصلاحيات أقل أو حكومة مشتركة كانت ترفع آنذاك.

أما الحديث عن إحترام الدستور، الذي لم يحترم أصلا من قبل الذين صاغوه، والدعوة لإكمال الفترة الرئاسية، فإنها مجرد حيلة تفاوضية هدفها أن تسهل على المعارضة التراجع، وحفظ ماء الوجه، والزعم مستقبلا أنها حصلت على تنازلات رئيسية.

السوريون يعرفون جيدا أن القبول ببقاء النظام اربع سنوات أخرى يعني أن المعارضة باعتهم، وتم التخلي عن كل الوعود التي قدمت لهم، وأكثر من نصف مليون سوري تمت التضحية بهم، وملايين شردوا إلى غير رجعة إلى بيوتهم.

والحل السلمي المقترح سيعني إنهاء المعارضة المعتدلة وتعزيز المعارضة المتطرفة، التي ترفض المفاوضات، وهي في الواقع لا تقل سوءاً عن النظام. المسؤولية على المعارضة المعتدلة كبيرة في تحمل نتائج ما تفاوض عليه اليوم وما ستوقع عليه لاحقاً.

لن يصدق أحد أنها خدعت لأنه سبق وطرح عليها حل الانتخابات، وأجريت في وسط الدمار وكسب فيها الرئيس بنحو 89 في المائة. حينها أعلن أن أكثر من عشرة ملايين مواطن أدلوا بأصواتهم فيها، ونحن نعرف انه يستحيل حينها على مليون واحد أن يكون قد شارك فيها، والخديعة ستتكرر.

بين بقاء النظام لإنهاء الحرب والتقسيم، سيُصبِح من الأهون على السوريين القبول بتقسيم البلاد، ومنح الرئيس دولة يضمن فيها أغلبية الأصوات من طائفته، دون الحاجة إلى تزويرها، ويعيش كل فريق في دولته سعيداً بلا حرب وبدون نظام مفروض عليه. انما حتى مشروع التقسيم السيء هذا مرفوض من تركيا وإيران والعراق، لأنها تخشى من تبعاته عليها.

اليوم يتفاوضون على سوريا، وهي مثل جرة مكسورة، يريدون إعادتها إلى ما كانت عليه في الماضي بعد كل هذا القتل والدمار الرهيب.

المصدر: البيان