في نقد ما بعد الثورة

آراء

من أيد وتعاطف مع شباب الربيع العربي ليس مطالباً بالضرورة أن يصفق لكل نتائج الربيع، بل إن ممارسة النقد إزاء نتائج الربيع العربي مسألة ملحة لكيلا نصنع -بالتصفيق والتمجيد- ديكتاتوريات جديدة مكان سابقاتها. فهل ثار الشباب في تونس ومصر من أجل سواد عيون الغنوشي ومرسي؟

إنهم ثاروا ضد الاحتكار والفقر والمهانة وتردي الأحوال. وسيثورون مجدداً إن عادت بهم ثورتهم إلى نفس المربع. فهل يخرج السجين من سجن قديمة جدرانه ليدخل لسجن جديدة جدرانه؟ أم يثور السجين من أجل تحسين أوضاع سجنه واستبدال سجانيه؟ حتى في أعرق ديمقراطيات العالم، النقد صمام أمان لحقوق الناس، ولولا النقد لفسد حتى أكثر الناس إيماناً بالديمقراطية. وإن لم تدرك جماعات الحكم الجديد في بلدان الربيع العربي أن ثمة عيونا تراقب سلوكها وترصد أخطاءها فإنها ستتمادى في غرورها حتى تؤمن أن السلطة غنيمة من غنائم الربيع.

كثيرنا صفق وتعاطف مع شباب الربيع العربي. لكن هذا لا يعني أبداً أن تستمر حفلة التصفيق إلى الأبد؛ وإلا ما الفرق بين ما قبل الربيع وما بعده؟ ماذا لو تمنى الناس العودة إلى ما قبل الربيع نتيجة لتردي الأوضاع واستمرار الاحتكار ولكن -هذه المرة- تحت غطاء الدين وشعارات لا تبيع غير الوهم؟ قد نؤيد الأسباب لكن هذا لا يعني أن نحتفي بالنتائج. بل إنها مسؤولية أكثر أهمية أن تبقى عين النقد بالمرصاد لكشف أكاذيب من يورط شبابنا في مزيد من المتاهات والأكاذيب تارة باسم الربيع وتارة أخرى تحت مظلة الدين.

أما أولئك الذين يُضفون “قدسية” في رؤيتهم لجماعات الحكم الجديدة في بلدان الربيع العربي فإنما يسهمون -بوعي أو بدونه- في صناعة ديكتاتوريات جديدة قد تكون أشد ضرراً من سابقاتها كونها تستغل خطابات الوعظ وعواطف الناس الدينية من أجل بقائها طويلاً في السلطة!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٤١) صفحة (٢٤) بتاريخ (٠٩-١١-٢٠١٢)