قانون القراءة لأمة «اقرأ»

آراء

شيوخ الإمارات كعادتهم يسابقون الزمن في الفضائل، ويخطفون الأبصار في مبادراتهم المختلفة، وإن كانت في مجالات صناعية أو تطويرية فذلك أمر معهود منهم، لكن أن يكون التسابق في إنشاء الفكر الراقي؛ فذلك ما هو فريد في نوعه، ولا يأتي غيرهم بمثله.

إنه «قانون القراءة»، لأن القراءة أهم مميزات الأمة الإسلامية، والناس يعيشونها كثقافة تقليدية، وهي موكولة إلى قوانين التعليم العامة في الوزارات والمؤسسات التعليمية المعنية، ويرى الناس فيها الكفاية، وأنها تؤدي الغرض المطلوب، ولا يقلل أحد من شأن هذه المؤسسات في تنشئة جيل يقرأ ويفهم ويُبدع، إلا أنه لا بد لها من رافد أساس من خارج الوزارات المعنية، فكان هذا القانون الحديثَ في نشأته، العظيمَ في دلالته، الوحيدَ في مصفوفات القوانين عالمياً.. فلله دره من قانون من ذوي همم عالية، وأفكار بديعة، وحرص كبير على نفع البشرية!

لقد وقف العالم العربي وغيره إجلالاً للشيخ محمد بن راشد على مبادرة تحدي القراءة التي تنافس فيها شباب الأمة العربية وغيرها على قراءة 50 مليون كتاب خلال العام، وكان الفائزون مضربَ المثل في تنافسهم البديع، ونبوغهم الفكري بسبب القراءة، ليس فقط ذلكم الطفل الجزائري «محمد جلود» الذي دل فوزه على أنه سيكون نابغة العصر إن شاء الله تعالى، بل كل الذين قبلوا التحدي ودخلوا حَلَبة التنافس.

وقفوا إجلالاً له؛ لأنه اهتم بتنمية الفكر، وتغذية العقل حتى يكون عقلاً سليماً نافعاً بناءً، وذلك هو الأساس لبناء الإنسان والأوطان.

واليوم يقف العالم مندهشاً من هذا القانون غير المسبوق، والذي وُضعت آلية لتفعيله في الدولة حتى تصبح القراءة منهج حياة يعيشها شعب الإمارات بكل فئاته ومستوياته، وذلك ما سيكون علامة فارقة له عن الشعوب الأخرى التي ترى أن القراءة حرية شخصية، يسعى إليها المجِدُّون، ويغفل عنها غيرهم.

ولئن كان هذا القانون صادراً عن السياسة لمصلحة المسُوسِين، فإنه في الواقع والتأصيل منهجٌ اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم حينما أنشأ دولة الإسلام، وذلك حينما وجد في أسرى بدر من يحسن القراءة والكتابة ولا يستطيع فداء نفسه من الأسر، فكان صلى الله عليه وسلم يقبل منه أن يعلم الكتابة عشرةً من الغلمان ويخلي سبيله، فيومئذ تعلم الكتابة زيد بن ثابت في جماعة من غِلمة الأنصار كما ذكره أهل السير، ومنهم السهيلي في الروض الأنف، وإنما يعلمهم الكتابة ليحسنوا القراءة ويحسنوا التَّعلُّم، كما ورد «قيدوا العلم بالكتاب»، فهي بابها النافذ إلى المعارف والعلوم.

نعم إن ديننا جعل القراءة همَّه الأول لتكون الأمة المسلمة أمة معرفية، تخرج بها من ظلمات الجهل إلى نور الهداية، إلا أن الناس لم يُولوا القراءة اهتمامَهم الكافي كما أراده الإسلام، فنشأت أجيال متعاقبة غير مهتمة بما اهتم به الإسلام من القراءة والعلم والتنوير المطلوب، ولعل في بعض الأجيال ما يُلتمس لها العذر بسبب ظروف الحياة التي كانت سائدة، أما اليوم فإنه لم يعد هناك مجال للتساهل في أمرها؛ لأن الأمة اليوم تعيش في أحسن أحوالها.

انحراف الفكر سببه عدم القراءة النافعة، والتأخر في الصناعة والحضارة سببه عدم القراءة، والتنافس في مجال التقنية لا يتحقق إذا كانت الأمة لا تقرأ.

نسأل الله تعالى أن يجزي شيوخناً الكرام عليه خيراً، وأن يريهم تطبيقه حتى تقر أعينهم بما يسرهم في شعبهم.

المصدر: الإمارات اليوم