قراءة في «تأملات في السعادة والإيجابية»

آراء

يقول المثل الشهير«الكتاب يُقرأ من عنوانه» أي أن العنوان يعطي صورة مختصرة عن مضمون الكتاب، ولذلك يتعين على المؤلف أن يكون حصيفاً في وضع عنوان كتابه، لأنه سيكون داعياً لقراءته أو مزهِّداً فيه، والكتاب، عنوان المقال، أعطى صورة واضحة عن مضمون الكتاب من أنه يبُث الطاقة الإيجابية لقارئه، ويبعث في نفسه السعادة الغامرة.

لا جرم فهو يقرأ عقلاً راجحاً، وتجارب جبارة، ونجاحاتٍ متواصلة، وطموحاتٍ غير متناهية، وأفكاراً خلاقة.. إنه محمد بن راشد الذي يسطّر عبقرياته في كتاب يبثّه للقاصي والداني، وكأنه مشروع نجاح لا يقبل الفشل.

لقد تصفحت الكتاب وكنت أعايش الكاتب، قرأت أسطره فعشت مع أسطورة الإيجابية والسعادة، وقرأت فصوله فعلمت أنها أبواب تفتح الآفاق، وعلمت أنه يحمل هم أمة وليس شعباً فقط، ويحمل هم حضارة بادت، همُّه أن تعود، بيّن ذلك من أول فصول كتابه حين قال: «لا توجد منطقة في العالم بحاجة إلى السعادة والإيجابية أكثر من منطقتنا»، إذاً هو يحمل هم أمته العربية والإسلامية التي فشا فيها الفشل الذريع، والخوف المُريع، والفساد الفظيع، فهو يريد أن يعيد لهذه الأمة ثقافتها في الإيجابية التي هي معين الثقافة الإسلامية، وسعادتها المرضية التي هي منهج الإسلام العظيم، فتذكرت قول المتنبي وهو يصف نفسه:

أنا في أمة تداركها اللــــــــــــــــه غريبٌ كصالح في ثمود

إلا أن الشيخ محمد بن راشد بدأ غريباً لكنه ما لبث أن آزره فريق اقتبس شعاع إيجابياته وطموح سعادته، فأصبح يقود سرباً يحلٍّق في الآفاق، وليس مغرداً خارجه كما زعم بعض محاوريه.

إن قراءة كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» بأبوابه الـ24 تعني أن القارئ سيغترف من معين هذا السفر الحافل فكرَ القائد المحنك، والعبقري الفذ، والحاكم العادل، والمنظّر المثالي، والسعيد الدائم، فهو إذاً مدرسة يتخرج فيها القارئ بهذه المعاني العظيمة التي ارتشف الكاتب كثيراً منها من مدرسة زايد وراشد، وصاغها ببيانه السهل، وأسلوبه العذب، ووضعها بين دفتي الكتاب ليبعث في قارئه المعاني العظيمة التي لا توجد في غيره.

إن الكتب التي عنيت بالسعادة كثيرة، قديمة وحديثة، لكن الكثير منها كتب تنظيرية ورؤى فكرية، ليس فيها تجارب حيَّة حتى تشهد لصحة التنظير، وتصدِّق الرؤى، بخلاف هذا الكتاب الفائق الرائق، فإن الخبر الذي يتبناه تنظيراً تصدقه التجربة التي يسوقها، فيصدق الخبرُ الخُبرَ، وما راءٍ كمن سمعَ.

الإيجابية التي ينشدها سموه، حفظه الله، هي المعنى الذي أراده الله تعالى من عباده في دعوتهم للتوكل عليه سبحانه، بعد الأخذ بالأسباب، فمن أخذ بالأسباب لا ينبغي أن يتطير أو يقرأ الأبراج، بل يقول على الله توكلت، ويشق الطريق، وسيصل إلى منتهى أمله، عما قريب، كما قال الحكيم السابق:

لأستسهلنَّ الصعب أو أدرك المنى … فما انقادت الآمالُ إلا لصابرِ

لقد ساق المؤلف من رؤى زايد وراشد نماذج كثيرة لم يؤثر فيها طائر الشؤم، فأخذا بأسباب النجاح التي أمر بها الشارع وتوكلا على الله، فأنشآ دولة، وبنيا حضارة، وحققا نظاماً وعدالة، واكتسبا محبة؛ وهو، حفظه الله، سار في طريقهما، وجعل برامج حياتهما دروساً كملها بالشروح والحواشي التي ملأت الدنيا نجاحاً وخبرة، وساقها مساقاً واحداً لتكون دروساً لجيله وأجيالٍ تأتي متعاقبة، فتقول كما قال الزمخشري في كتاب سيبويه:

ألا صلى الإله صلاة صدقٍ … على عمرو بن عثمان بن قنبرْ

فإنَّ كتابه لم يُغن عنه … بنو قلمٍ ولا أبناء منبرْ

إن الكتاب المبتكر هو عصارة فكر، وهو رحلة عمر، وهو نموذج حي لإنسان عايش ما يكتب، ينقل كل ذلك بصفحات من نور لمن أراد أن يتنور، وهو أزهار من بساتين ذات أفنان، يضعها أمام القارئ ليشم عبقها الطيب وأريجها الفائح، وهو ثمار يانعة يضعها في فم الراغب في تذوق الفواكه الدانية، فما أبدع ما كتب، وما أحسن ما أفاد وأجاد! فجزاه الله خيراً عن كل قارئ ومستفيد.

المصدر: الإمارات اليوم