قل الصدق أو اصمت

آراء

قل الحقيقة ولا ترهبك لومة لائم، لأن الكثير من اللائمين لا يتكئون إلا على قشة الذاكرة المثقوبة، فلذلك عندما يدخلون في حوار حول قضية جوهرية، فإنهم يخورون مثل عجل رفاق موسى الذين شذوا عن حقيقة ما أراده هذا النبي المرسل.

لقد جاء كوبر نيكس بنظرية دحضت فكرة بطليموس، وأشار بالبنان والبيان إلى أن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض فثارت ثائرة البلهاء من أبناء ذلك العصر، ولاقى هذا الفيلسوف ما لاقى من التنكيل، والنكب، والغضب، والشغب، والسغب، لأنه اخترق الذهنية السائدة بفكرة غير معتادة، وغير معهودة، وغير مشهودة، ولكن ماذا حُصد من هذه الفكرة الصادمة؟ إنها الحقيقة التي صمدت أمام الغوغاء، وتربعت على مشهد التاريخ، وذهب زبد الخرافة البطليموسية جفاء.

وهكذا نحن بحاجة إلى من يحرك المياه الآسنة في أذهاننا، نحن بحاجة إلى من يعيد صياغة تاريخنا وهو مليء بالنفايات، وبقايا عظام رميم، وصدأ أخفى تحته حقائق بحاجة إلى من يجليها. يعلي من شأنها، ولا ضير إن واجه المخلصون شتى أشكال التسفيه، والإسفاف، والاستخفاف، لأن من طبيعة البشر الخوف من الحقيقة، لأنها تضع الأنا المتربص بكل شيء جديد، ولأن الحقيقة تظهر عيوب الشخصية المركبة من رقاع الأفكار المضللة، والمزللة، والمتخلخلة، والتي لا هدف لها سوى إبقاء الأمر، كما هو عليه لتضمن الأنا قوتها وبقاءها مسيطرة ومستولية على زمام الأفكار المسبقة، ولكن هذه الأفكار، كما قال الفيلسوف العظيم روسو إنها مفسدة للعقل.

نحن اليوم بحاجة إلى أكثر من روسو ليدحض لنا أكثر من خرافة، وأكثر من مدعٍ كذاب وأكثر من مفترٍ على الدين الحقيقي، نرى ونسمع من هراء وافتراء ونتابع المشهد، ونجد أن هناك أشكالاً وأصنافاً من الأنصاف، والأشباه الذين يدعون، ولا يوعون بما يقولون، وعندما يدخلون في الحوار، فإنهم يتحولون إلى ناعقين، وناعبين، يقذفون بالألفاظ النابية مثلما فعل كفار قريش مع النبي الأمين، لأن هؤلاء لا يملكون من قدرة الحوار غير الشتائم والبذاءات التي يأبى الضمير الشريف أن يقترب منها.

أتمنى أن يوجه النقد للدكتور علي بن تميم وغيره من الشرفاء، ولكن نريد أن نسمع نقداً ولا نريد أن نسمع قدحاً وردحاً، فهذه المنزلات من أفواه العشوائية لا تخدم للود قضية، بل هي تعبر عن مدى السقوط المريع الذي هوت إليه عقلية البعض. فهؤلاء يصطادون السمك في رمال الصحراء.

المصدر: الاتحاد